أحمد رجب شلتوت - الذي فعلها

لا يخلو التقليب في الدفاتر القديمة من فائدة، رد علي أوراق ضالة منها قصة "الذي فعلها" المنشورة في جريدة الشعب منذ ثلاثين عاما.
الذي فعلها
1
صحا السلطان من نومه مفزوعا، كانت الوسادة مبتلة بدموعه، ضمته السلطانة إلى صدرها، هدهدته حتى هدأ، عندئذ سألته:
_ من ذلك المحمد الذي يقض مضجعك كل ليلة؟
_ لا أعرف عم تتحدثين؟
_ كل ليلة تصحو مفزوعا، أسمعك تصرخ بأن محمدا هو الذي فعلها.
2
لما غادر السلطان مخدعه كي يتسلطن على خلق الله، أرسلت السلطانة في طلب أتابك العسكر، سألته عن "محمد" الذي يقلق السلطان، أجابها بأن نصف الرجال يحملون اسم "محمد" لكن لا أحد يستطيع أن يقلق السلطان، ولما حكت له عما يحدث لمولاه كل ليلة وعد بأن يتصرف.
3
قبيل مغيب الشمس دخل أتابك العسكر مختالا، انحنى مقبلا الأرض تحت قدمي السلطانة، ولما أشارت له انتصب واقفا وهو يقول واثقا:
_ من الليلة سينام سلطاننا ملء جفونه.
4
استرعت الجلبة انتباه السلطان، أطل من شرفة القصر، وجد الميدان الفسيح خارج القصر غاصا بالبشر، فصرخ طالبا الأتابكي وعسكره، ولما مثلوا بين يديه سألهم، أجاب الأتابكي:
_ لقد وفيت بوعدى لمولاتي السلطانة؟
_ أي وعد؟
_ أن أخلصكم مما يقلقكم
_ وما الذي يقلقنى؟
_ ما فعله محمد
_ أي محمد؟
_ ذلك الذي يقض مضجعكم كل ليلة
_ وكيف خلصتنا منه؟
_ ألقيت القبض عليه؟
_ أين هو؟
_ في الساحة خارج قصركم
_ أيهم؟
_ كلهم يا مولاي
_ لا أفهمك
_ مولاتي لم تذكر إلا اسمه الأول، فألقيت القبض على كل من يحمل الاسم، سأرميهم جميعا تحت قدمي مولاي، وسنعرف أيهم الذي فعلها، قد أحرقه أو أشنقه، وإن أمرتم قد أخوزقه، لا يهم الوسيلة، المهم أن مولي سينام منذ الليلة ملء جفونه.
5
أشار السلطان لكبير حراس قصره، سأله عن اسم أتابك العسكر، فأجابه:
_ اسمه محمد يا مولاي
_ إذن إخلع عنه سترته، قد جردته من رتبه، انزعها عنه ولتكن لك السترة والمنصب، قد خلعته عن منصبه وأخلعت عليك خلعته.
عندئذ انحني الأتابكي الجديد، باس الأرض تحت قدمي مولاه، ولما نهض أمره السلطان وهو يشير إلى المخلوع:
_ هو الذي فعلها، خذه القه في الجب.
أحمد رجب شلتوت
يناير 1992
قد يكون رسمًا توضيحيًا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى