طارق حرب - قيان بغداد في العهد العباسي الاول

في سلسلة بغداد تراث وتاريخ كانت لنا محاضرة عن ظاهرة اجتماعية حفل بها العهد العباسي الاول ذلك العهد الذي ينتهي بانتقال الخلفاء الى سامراء هذه الظاهرة هي ظاهرة كثرة القيان في بغداد من امثالهن عَريب وشارية وبَذل وبصبص ودقاق ودنانير وذات الخال وسلامة الزرقاء وعاتكة بنت شُهدة وعبيدة الطنبورية وعُلية بنت المهدي وفريدة وقلم الصالحية ومتيم الشامية ومحبوبة وغيرهن من قيان بغداد وقد ساعد ذلك ظروف عديدة اولها ميل خلفاء بغداد الى الترف واقبالهم على سماع الغناء والشرب واللهو اذ راجت سوق الجواري والقيان وعنى النخاسون في بغداد سواء في سوق الرقيق في بغداد والبيوت باعدادهن للحياة البغدادية الجديدة خير اعداد فعلموهن الرواية والشعر والمطارحة وجميع اداب المفاكهة والمجالسة بالاضافة الى الغناء والرقص وكان في بغداد شارع يسمى شارع الرقيق واشتهر كثير من النخاسين بسبب ما كان لديهم من قيان وجوار حسان وكان منهم ابا عمير الذي كانت له قيان منهن عبادة هواها بن البواب وابو خطاب النخاس وكانت له قين تعرف بذات الخال كان يهواها ابراهيم الموصلي ومنهم اسماعيل القراطيس الذي كان يقصد منزله بسبب القيان ابو نواس وابو العتاهية وكانت قصور خلفاء بغداد تعج بالقيان وبأعداد تفوق الحصر يليهم الامراء والقادة وشاع عشق القيان حتى كان للشعراء في بغداد قيان تغزلوا بهن فبشار بن برد عشق القينة عبدة وابو العتاهية عشق القينة بعتبة وابو نواس عشق القينة جنان وحماد ومطيع بن أياس أحبا القينة جوهر والعباس بن الاحنف عرف بحبه للقينة فوز وكان حب القيان في بغداد مظهرا من مظاهر تحسن الجمال ورد فعل مباشر له اذ صار الحديث عن العشق وخاصة عشق القيان مظهرا من مظاهر العلم والثقافة والحكمة والفلسفة لا بل ان كثرة المبذول من القيان والجمال ادى الى التخمة منهما فصاروا يبحثون عن جديد فصاروا يبحثون عن شيء جديد فأحب بعضهم الغلمان وتغزل بعضهم بالسودوات طلبا للتنوع وقد أكثر الشعراء من التحدث عن القيان وتغزلوا بهن غزلا ماجنا وفاحشاً واكثر شعراء بغداد من ذكر حانات الخمر وتحدثوا عن الساقيات لاكتمال صفات الجمال والرقة والنعومة واللسان والصوت والبيان اذ يقول احد شعراء بغداد في ساقية:-
وهات اسقني من طرفها خمر
فأني امروء آليت الا اشرب الخمر
وكان للقيان اللاتي تميزن على سواهن في الجمال ان يكن من المختارات لاهل القصور لذا كان النخاسون يتسابقون في اظهار براعتهن لتصل اخبارهن الى اسماع الخلفاء والامراء والقادة والموسورين وتتداول كتب الادب الكثير من شعر المذكورين في القيان غزلا ووصفا ومدحا ورثاء فمن ذلك قول الخليفة المهدي في قين تدعى جوهر الذي كان معجبا بجمالها:-
الا يا جوهر القلب قد زدت على الجوهر
ولقد ذكرت كتب التاريخ اسماء عديدة للقيان اللائي يروى انهن شغفن الرشيد بحبهن منهن: ماردة وسحر وضياء وخنث وهيلانة وكان الخليفة معجبا بالقين عريب التي سميت باسمه فكانت تعرف باسمه عريب المأمونية ويقول المتوكل في قينة له؛
امازحها فتغضب ثم ترضى
فكل مقالها حسن جميل
ومثل ذلك قول للخليفة المأمون والخليفة المعتصم في القيان
لا بل لم يقف ذكر الخلفاء القيان عند الغزل وانما في رثائهن حيث يذكرون لوعتهم على فقدانهن فالخليفة الرشيد اقسم بانه لا يسر بشيء بعد قينته هيلانة وكذلك رثى المأمون قينة له والخليفة المعتضد الذي جزع على وفاة القين دريرة وقد شغف اهل بغداد بالغناء شغفا كبيرا ولم يعدوه ضربا من اللهو والتسويه وانما جعلوه جزءا من حياتهم وما يستلزمه من شعر وكانت القيان تتمتع بثقافة ادبية واجتماعية واسعة واسعة حيث كانت القيان تحفظ الكثير من الشعر وتحسن وضع المعنى والغناء به وقيل ان قينة تدعى سُنين او سلمى غنت امام الشاعر دعبل فتعجب من جوابها وحدته وسرعته وماحصل للرشيد مع قينة أجزل عليها العطاء لشعرها وتكثر الاشارات في كتب الادب الى سعة اطلاع القيان في الشعر والغناء وقد حفل العصر العباسي ببغداد بعدد من القيان كان لهن الاثر الكبير في توجيه حياة المجتمع عامة والشعراء خاصة وجهة ناعمة لاهية وجهة ترهف الحس بالفن والجمال ويقول ابو حيان التوحيدي انه تم احصاء ٤٦٠ في جانبي بغداد من القيان
فلقد تأثر شعراء بغداد بالقيان فأسهبو في وصفهن وغنائن والات الغناء وكثيرا ماكان يحصل منافسة بين قينتين ويكون لكل منهما جماعة وانصار كالذي حصل بين القينة شاريو والقينة عريب ووصف ابن الرومي قينة فقال:-
غنت فلم تحوج الى زامر
وهل تحوج الشمس الى شمعة
وكذلك قوله في وصف قينة اسمها بدعة واخرى اسمها وحيد وكان بشار بن برد ممن اجاد وصف غناء القيان حيث قصيدته المشهورة :-
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة
والاذن تعشق قبل العين أحيانا
وهجى ابن المعتز القين بدعة القينة
عند ابن حمدون وكان للقيان نصيب في رثاء الشعراء فلقد رثى ابن الرومي قينة تدعى بستان وكان هنالك ذم للقيام بأفعالهن اذ اكثر الكتاب والشعراء في القول في القيان بتصويرهن بابتزاز الرجال واستلاب قلوبهم وعقولهم فأفاض الجاحظ بكتابه رسالة القيان بالكلام عن اساليب القيان في تعداد وسائلهن في ايقاع صيدهن في شرك العشق وبيان وسائلهن في المكر والخداع ونظمت القصائد في استحواذ القيان على الاموال والثروات وقد قيل في احوال الخلفاء العباسيين ببغداد في سماع الغناء والشرب واللهو اذ يروى ان المصور لم يظهر لنديم قط ولا رآه احد يشرب وكان بينه وبين من يغني ستارة اما الخليفة المهدي فانه رفع الحجاب مع من يغني وكان كثير العطايا للقيان اما الخليفة الهادي فكان يأمر للمغني بالمال الجزيل اما الرشيد فكان لا يحضر شربه الا خاص قيانه وجوارية وجعل للقيان مراتب وطبقات والخليفة الامين يقعد حيث قعد ندماوءه والمأمون ظهر للندماء والمغنين وكان يشرب الثلاثاء والجمعة ثم ادمن الشرب وقالت القينة عريب ان الخليفة صنع مائة صوت وكان احذق من غنى بضرب العود اما الخليفة المنتصر فكان حسن العلم بالغناء وكان يأمر القينة عريب بأن تغني له وقد غنى الخليفة المعتمد وألقى لحنا الى عبد الله بن المعتز وشرب المعتز بالله على بستان وكثرت الحانات في نواحي بغداد كحانة الشط والتي اكثر الخليفة الواثق الشرب فيها وحانة طيزنا باد وحانة قطر بل وحانة خويت ويذكر الاصبهاني انه كان لشخص يدعى المراكبي له قينة اسمها مظلومة جميلة الوجه بارعة الحسن فكان يبعث معها عريب القينة اذا ارادت الخروج في زيارة الاهل والمعارف لكي تكون مظلومة رقيب على عريب ومع ذلك فأن عريب كانت تذهب الى صاحبها ابن حامد فقال الشاعر في ذلك:
لقد ظلموك يا مظلوم لما
اقاموك الرقيب على عريب
اي ان الرقيب لا يجدي نفعا مع امثال عريب من القيان ممن غرقن في المجون والملذات لذلك وصفوا عريبا القينة بانها مغنية محسنة وشاعرة صالحة مليحة الخط والمذهب في الكلام ونهاية في الحسن والجمال وقالوا في وصف عنان القينة الشاعرة بانها جميلة الوجه مليحة الادب والشعر سريعة البديهة وفضل القينة والشاعرة بانها أشعر امرأة أما أهم قيان العهد العباسي الاول في بغداد فهن :-
بدعة الكبيرة جارية القينة عريب وقال الاصبهاني انها كانت احسن دعرنا وجهاً وغناءً حظيت عند الخليفة المعتضد وقالت اللسعر في شيبه مدحها ابن الرومي فقال فيها:-
بدعة عندي كأسمها بدعة
لا شك في ذلك ولا خدعة
وثيماء وهي قينة لابي العباس خزيمة بن خارم النهشلي قالت الشعر في نولاها
وتتريف قينة المأمون بارعة الجمال بديعة الظرف موصوفة بالكمال وصفت المأمون فأشتراها فوقعت بقلبه ولما مات المأمون قصرت نفسها على البكاء عليه متى ماتت ومن شعرها لي رثائه:-
يا ملكاً لست بناسيه
نعى الي العيش ناعيه
وخزامى قينة المقين شاعرة ومغنية كانت في شبابها تنادم ابن المعتز وغيره ثم تابت كاتبها ابن المعتز فاعتذرت انها بلغت من العمر حداً لا يسمح لها بذلك
وخليدة السوداء التي قالت واما نكاح السر فلا والله ما فعلته ولا كنت عار على القيان
وخنساء قين هشام النحوي المكفوف اديبة شاعرة حسنة العقل قال مولاها والله لو اعطيت بها خراج السواد ما بعتها والسواد يعني العراق
ودنانير جارية يحيى البرمكي كانت من احسن الناس وجها وادبا واكثرهن رواية للشعر اعجب الرشيد بها ورفضت ان تغني بعد نكبة البرامكة
وهنالك ايضا دنانير جارية محمد بن كناسة وكان اهل الادب يقصدونها للمذاكرة والمساجلة في الشعر
وسامر او ساهر قينة لبعض المغنين كان ابراهيم الصولي يهواها وقد شهر بها ولها معه مراسلات شعرية
وسكن قينة محمود الوراق اشتهرت بالشعر
وشاجي جارية عبد الله بن طاهر من مغنيات خلافة المعتضد وكان الخليفة اذا استحسن شعرا بعثه اليها لتلحنه وتغنيه
وعنان جارية الناطفي وقيل ان الرشيد اراد شراءها لكن علاقتها مع ابي نواس جعلته يتراجع وكانت اول من اشتهر بقول الشعر لها مطارحات شعرية ماجنة
وفضل شاعرة ماجنة اهديت الى المتوكل وكانت تجلس في مجلس المتوكل على كرسي تعارض الشعراء
وفريدة جارية الواثق وغنت شجيا بعد وفاته تزوجها المتوكل
ونبت جارية الخليفة المعتمد مغنية شاعرة
وهيلانة جارية الرشيد بديعة الجمال ظاهرة الكمال رثاها الرشيد بعد موتها
وبذل التي كانت اروى خلق الله للغناء موصوفة بكثرة الرواية حلوة الوجه ظريفة اشتراها الخليفة الامين
وبصبص التي اشتراها المهدي عندما كان وليا للعهد وكان يحيى بن نفيس مولاها صاحب قيان يغشاه الاشراف ويسمعونه غناءهن
ودقاق جارية يحيى بن الربيع التي اخذت من اكابر مغني بغداد من احسن الناس وجهاً وغناء تزوجت كثيرا اولهم ابن الربيع لكنها كانت أشأمهم على ازواجها
وذات الخال واسمها خنث كانت جارية ابراهيم الموصلي وكان لها خال فوق شفتها من اجمل النساء واكملهم اشتراها الرشيد وسألها : هل كان بينك وبين ابراهيم قالت مرة واحدة
وسلامة الزرقاء وسيدها بن رامين لا يلحقها في ضرب من ضروب حسنها واصف
وشارية اشترتها امرأة فأدبتها وعلمتها الغناء وكانت تنافس اشهر جارية في العهد العباسي وهي عريب وتذكر ان بعض شعرها وغنائها سمعته من خديجة بنت الخليفة المأمون
وعاتكة بنت شهدة كانت بارعة في ضرب العود واحسن خلق الله غناء
وعبيدة الطنبورية كانت من احسن الناس وجها واطيبهم غناء ولم يعرف اعلم منها في صنعة الطنبور الذي هو آله موسيقية تشبه الگيتار اذ حذقت الغناء على الطنبور
وعريب الاشهر في بغداد مغنية شاعرة مليحة الخط والمذهب في الكلام نهاية في الحسن والجمال والظرف وجودة الضرب والمعرفة بالنغم والاوتار والرواية للشعر والادب لا روئي في القيان الحجازيات القديمات من جرت مجراها تزوج امها جعفر بن يحيى البرمكي فولدت عريبا ولما صارت في دار المأمون عشقت محمد بن حامد وكانت تحتال للخروج اليه وعشقت الكثير وكان اخرهم صالح المنذري التي توصف مكان قبلته بأن فيه ريحا من الجنة
وكانت هنالك قيان اخريات منهن علية بنت المهدي وفريدة وقلم الصالحية ومتيم الشامية ومحبوبة .

طارق حرب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى