ياسر أنور - الاستعارة الميتة والمعنى الميت..

ينبغي على الشاعر والمبدع بشكل عام ، وهو يكتب قصيدته أو نصه الأدبي ، أن يقلل من استعمال العبارات التي تتكرر كثيرا على ألسنة الآخرين ، وفي كتاباتهم كلما أمكن ، لأن العبارات المكررة سواء كانت تشبيها أو استعارة ، ربما تفقد قدرتها على الإدهاش من كثرة ترديدها و ألفتها ، فمثلا تعبيرات من نوع ( الشمس في كبد السماء)، (بدأ الوقت ينفد) ، (جرح حبي) ،( طعنني بكلماته) (ملأ قلبي حبا) هذه التعبيرات تحولت من استعارات وتشبيهات تحرك الوجدان وتثير الدهشة ، إلى مجرد جمل توظف (لتقرير المعنى لا تصويره)، ولذلك يطلق عليها بالإنجليزية (الاستعارة الميتة)Dead metaphor ، وللفنان الشهير سلفادور دالي ، عبارة شهيرة تشير إلى هذه الفكرة ، لكنها عبارة بها كثير من العنف (الفني). يقول دالي : إن أول شخص قارن خد المرأة بالوردة كان شاعرا حقيقيا، لكن الذي كرر هذا المعنى من بعده هو شخص أحمق، وما يقصده دالي هو أن الفنان بشكل عام ينبغي أن ينأى عن تقليد غيره ، بل لابد أن يبحث عما هو مثير للإدهاش في وجدان قارئه . ولكن ليس معنى ذلك هو عدم استعمال العبارات المكررة بشكل مطلق، فهذا أمر محال ، فعبارات مثل ( وقع في حبها)، و(غرق في سحر عينيها) ، و(قدمت له فروض الطاعة)، و( جحيم لا يطاق) ، هذه الجمل و العبارات من الصعب التخلي عنها ، لعدم وجود البديل ، لكنها كما أشرنا من قبل ، فقدت كثيرا من توهجها الجمالي والمدهش ، وتحولت إلى عبارات لتقرير المعاني ، لا إثارة المشاعر.. وليس الأمر قاصرا على الاستعارة الميتة فقط ، بل هناك معاني ميتة ، ومفارقات ميتة ، فمثلا عنوان من نوعية ( كيف تحول المحنة إلى منحة؟)، أصبحت عبارة أو مفارقة ميتة، بل ربما تصبح (عبئا على النص)، وكذلك (يضع السم في العسل)، ولذلك استخدم نقادنا القدماء مصطلح (الإغراب ) و(الطرافة) و(الابتكار) في النقد الأدبي ، وحذروا من المعاني (الباردة) التي لا تحرك الوجدان. و قد ركزت الشكلانية الروسية Russian Formalism على فكرة التجديد، وتجنب المألوف والمعتاد، فصاغت مصطلح كسر الألفة defamiliarization ، سواء على مستوى التصوير أو التركيب. إن مسؤولية الأديب تجاه قارئة كبيرة ، وعليه أن يتقمص دور هذا القارئ ليرى هل ما كتبه يستحق أن ينشر أم لا .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى