ميشال سعادة - كتَابُ الحَقلِ..

قَطَفَ عُشبَةً
وَدُونَ أَن يَدرِي
‏استَرَاحَ عَلَى حَجَرٍ
‏رَأَى إِلَيهَا تَحتَضِنُ في جُذُورِهَا
التُّرَابَ
كأَنَّها لا تَرغَبُ بانفِصَالٍ عَن أُمِّهَا الأَرضِ
‏كأَنَّ أُمَّهَا كُلُّ الحَنِينْ

‏أَصغَى الى اخضِرَارِهَا
سَمِعَ وَشوَشَاتِهَا _
‏ألحَقلُ سَرِيرِي والتُّرَابُ تِبرِي
‏لِمَ بَتَرتَ امتِدَادِي
‏قَطَعتَ أوصَالِي
‏هُنَا طُفُولَتِي
هُنَا أحَادِيثِي مَعَ أَترَابِي ؟
تَخَيَّلَ أُمَّهُ
‏صَوتَ أبِيهِ يَهمِسُ
‏هَذَا الحَقلُ _
‏يا بُنَيْ
‏لَوِّحْ لهُ كُلَّمَا بِهِ مَرَرتَ
‏أَعطِهِ تَعَبًا يُعطِكَ ثَمَرًا
لَاحَ لَهُ أنَّ
‏ثَمَّةَ هَسِيسًا بينَ الأعشَابِ
‏وَأصوَاتِ الألوَانِ
‏يَملأُ الأرجَاءَ
‏رَاحَتْ عَينَاهُ تَرسُمَانِ الرَّجَاءَ ‏
تَرتَطَانِ بِأثوَابِ الإعتِذَارِ
أَخَذَ حَصَاةً
‏قَلَّبَهَا بَينَ أصَابِعِهِ
‏سَرَّحَ بَصَرَهُ وَرَاءَ هَذَا الجَمَادِ
‏رأى شُعاعَ ماءٍ يَتَوَهَّجُ
‏سألَ الحَصَاةَ
‏سُؤالَ العَارِفِ _
‏دَمعَةُ مَنْ أنتِ تَحَجَّرَتْ ؟
هُنَا استَعَادَ نَظَرَاتِ أُمِّهِ
‏يَومَ ذَهَبَ _
لأوَّلِ مَرَّةٍ إلى المَدرَسَةِ
‏وحِينَ عَادَ
ارتَمَى بينَ أحضَانِهَا
‏مَلهُوفًا يُفَكِّكُ أسرَارَ الأُمٍومَة ..

‏ثُمَّ رَأى عُصفُورًا يَحُطُّ قُبَالَتَهُ
‏على غُصنٍ
‏مَادَ الغُصنُ ..
مَالَ إليهِ _
‏في هَذِهِ الشَّجَرَةِ
‏وَضَعَتْ أُمِّي عُشَّهَا
‏كنَّا فِرَاخًا
‏كانَتْ أصوَاتُنَا دَاخِلَ أصوَاتِنَا
‏حِينَ نَفتَحُ أفوَاهَنَا لِمَأكَلٍ من فَمِهَا ..
رَأى إلى ذَاتِهِ يَتَنَزَّهُ
بينَ أقدَامِ العُشبِ
‏ظَنَّ أنَّ العُشبَ يَمشِي
‏أنَّ خَطَوَاتِهِ خَطَواتُ كائِناتٍ حَيَّةٍ
‏عِندَهَا خَطَرَ لَهُ
‏أنَّ العُشبَ ضَوءٌ أخضَرُ
‏أنَّ المَاءَ سَمَاءٌ
‏نَزَلَتِ الأرضَ
‏تَستَعيدُ ما صَنَعَتْ يَدَاهَا
‏رَأى فَرَاشًا ظَنَّهَا أنفَاسَ مَلائِكَةٍ
‏نَسِيَتْ ذَاتَهَا حَولَ قِندِيلِ شَمسٍ
‏كانَتْ تَغربُ رَغمًا عَنهَا
‏تَعَجَّبَ في سِرِّهِ _
‏كيفَ لِكُلِّ عُشبَةٍ في الحَقلِ
سَرِيرٌ ‏تَنَامُ فيهِ ؟
‏كيفَ للمَاءِ يأتِيهَا
على ظَهرِ دِيمَة ؟
إستَأذَنَ الحَجَرَ الذي استَقبَلَهُ
‏شَاكِرًا وعَادَ ..

‏يَومَهَا _
‏تَعَلَّمَ في كِتَابِ الحَقلِ
‏أفعَالَ الشِّعرِ
فُصُولَ المَحَبَّةِ
ِ تَرَانِيمَ الصَّلاة ..

ميشال سعادة
مَسَاء السَّبت 8/2/2020



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى