ميشال سعادة - لَو سُنبُلَةٌ صَارِتْ أُختِي!

هَذِي الأَرضُ لَا زَالتْ بَارِدَهْ
أَشعِلْ جَارِي مَسَاحَةَ الجَسَدِ
أُكتُبْ كَلِمَةَ حُبٍّ
أُمحُ حَاقِدَهْ
إِزرَعْ أَصَابِعَكَ فِي تُربَةٍ حَمرَاءَ
وَارتَفِعْ شَجَرًا
أَغصَانُهُ فِي عُيُونِ اليَبَاس
لَو تَصِيرُ جَارَتِي حَرفًا
لَبَدَأتُ بِهِ
لِتَكتَمِلَ هَذِي القَصِيدَةُ
البَترَاءُ دُونَهَا ..
لو تَصِيرُ جَارَتِي ضُمَّةَ شَوقٍ
أَعلَنتُ وِلادَاتِي في دَفَاتِرِهَا
ما هَمَّ لو كانَتْ سُكُونًا
أُغَيِّرُ مَسَارَ السُّكُونِ
تَتَّسِعُ مَسَاحَةُ المَعَاني ..
أُكتُبْ جَارِي
أَصوَاتَكَ على الوَرَقِ
دَعْ بَيَاضًا يَتَنَفَّسُ
ليس غَيرُ الصَّوتِ يُعلِنُ وِلادَةً
كانَتْ مُرجَأَة
أَلصَّوتُ جُرحٌ
وَهَذَا الجُرحُ
صَرخَةٌ تَشِقُّ الفَضَاءَ
تَينَعُ الأَفكَارُ
يَطِيبُ الجُرحُ ..
مِن جُرحٍ خَرَجتُ
إلى جُرحٍ أَعُودُ عَودًا أَبَدِيًّا
أُمِّي تِلكَ الجِرَاحُ
أَبِي المِحرَاثُ
فِي حَقلِ جَبينِهِ
نَبتَتْ أَشجَارٌ مُثمِرَهْ
في جَبِينِ رَبِّي غَابَاتٌ بَرِّيَةٌ
جَرَّحَها وَالدِي بِالسِكِّينِ
أخرَجَ من شَجَرَةِ البُطمِ
فُستُقًا حَلَبِيَّا
نَسِيَ وَالدِي كُلَّهُ فِي الغَابَة
لم يَعُدْ إِلى البَيتِ
غَائبًا عَنَّا
عَن ذَاتِهِ
يُقَدِّمُ لنَا خُبزَ الحَيَاة ..
وَالدِي –
ذَاكِرَةُ الجُرحِ
أَنا لَستُ أَنا
مَا زِلتُ أَبحَثُ عَن آخٍ
فِي امرَأَةٍ غَائِبةٍ غَائِبَهْ
جَبِينُها حَنَانْ
عَينَاهَا مَنَارَتَانْ
قَلبُهَا سَعَةُ الدُّنيَا
عَقلُهَا سُؤَالٌ يَبحَثُ عَن سُؤَالْ
فِي غُربَتِهَا تُدَجِّنُ الفَلسَفَهْ
تَرسُمُ المَآلْ
تَكتُبُ عَلَى جِذعِ نَخلَةٍ
حَكايَا لا زَالَتْ تَحفُرُ البَالْ
أُخرُجِي أَيَّتُهَا الأَبجَدِيَّةُ
بِلَونِ الجِرَاحِ
بِمَذَاقِ المِلحِِ
وَأَلوَنِ الأُقحُوَانْ
كَي أَصِيرَ طَعَامًا للفُقَرَاءِ
وَمَلجَأً للعَصَافِير ..
رَجِعَ وَالدِي إِلى البَيتِ
مُتعَبًا هَلُوكًا
نَسِيَ جَسَدَهُ هُنَاكَ ..
هُنَاكَ فِي الحَقلِ
فِي الغَابَةِ
لَو تَجِيءُ الغَابَةُ إِلى بَيتِنَا
لَظَلَّ وَالدِي فِي البَيتِ ..
خَرَجَنَا كَثِيرًا إِلى الحُقُول
مَاذَا يَضِيرُ لَو تَجِيءُ الحُقُولُ
إلى مَوَائِدنَا ؟
مَاذَا يَضِيرُ
لَو سُنبُلَةٌ صَارَتْ أُختِي ؟
لَو عُصفُورٌ طَلَبَ حَبَّةَ مَاءٍ
حَبَّةَ قَمحٍ ؟
مَاذَا يَضِيرُ
لَو عَادَتْ تِلكَ الغَائِبةُ
لَغَابَ حُزنِيَ السَّعِيدْ ؟!
رَجِعَ وَالدِي إلى البَيتِ
تَرَك ظِلَّهُ فِي الغَابةِ
أَنا _
لا زِلتُ أَبحَثُ عَن دَعسَاتِهِ
عَن ظِلِّهِ
رُبَّ ظِلٍّ فَاقَ صَاحِبَهُ
لَو تَجِيءُ الغَابَةُ إِلى بَيتِنَا
لَظَلَّ وَالدِي فِي البَيت !
لَو تَجِيئِينَ أَنتِ
أَحمِلُكِ طِفلَةً / قَصِيدَةً
وَالبَحرُ وَأَموَاجُهُ لنَا
وَلنَا هَذَا الأَزرَقُ ..


ميشال سعادة
من ديوَان
[ خَربَشَات في جَسَدِ القَصِيدَة ]
جريدة الأنوار
الأحد 12/آب/1979

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى