عمر حمش - عزيزة وشمعون .. وأنا

يا للمصادفاتِ التي تحطُّ!
على بسطة خضارٍ؛ حدّقتُ، وتمعنتُ .. ها هي؛ تجاعيدٌ، وظهرٌ منحنٍ، وأصابعٌ مهتزّة؛ تتلقطُ حبّات الخيار، مع عينين تومضان كشاشتي إرسال.
وأنا المتنقّلُ بين هامتِها، وقدميها؛ يعاودني شمعون بقبعته .. يصولُ فينا، ويجول ..
ويأتيني، وأنا المتتبعُ؛ وهو يهرولُ خلفها.
لم أعد أدري ما الأصل العبريّ لاسم شمعون، وإذا ما كان له صلة باسم سمعان العربي، ولا إن كان يهوديا فعلا؛ فاستعرب.
أو عربيا؛ فاستهود.
لكنّه كان يطوفُ في أزقةِ مخيمِنا .. يُوقفُ، ويصلبُ، ويشتم.
وجاءتني لحظة خروجه من باب الثكنة؛ ليستدعيني بسبابته، وأنا الصبيُّ الغضُّ، وكانت عزيزةُ تمرّ .. كانت تمرّ؛ ولحَظْته كيف نسيني؛ وعيناه تمسحان قوامها، ثمّ شرع يخطو.
وخطوتُ في موكب الضباب ..
قلبي منشطرُ يتضارب.
قلبه مبتهج.
وقلبها لغزٌ يخطو.
كانت الناسُ ترقبُ بخترةَ عزيزة أمام شمعون المتفاخر.
وكنّا معلّقين من الرقاب؛ عندما استدارت فجأةً، وعيناها تناديان .. قاربها شمعون؛ فصعد صندلُها، كلّنا رأيناهُ كيف حَام.
حام اثنتين، ثلاثا، أربعا؛ قبل أن يهوي على وجه شمعون ..
كانت عزيزةُ فرسا ترتفعُ؛ وهي تطلقُ زمجرة، وكان وجهها يعلو مع كلّ وثبةٍ؛ وينقبض؛ وهي تهبطُ مندفعة ..
هنا؛ والزّحامُ يصيحُ، وشمعون يصيح، ونحن نشهقُ، والضبابُ يتراجعُ في قطيع ..
في شمس ضحى أشرقتُ،
يوم دخلتُ أنا غابة السيقان؛ لأدوس القبعة.
مع حشدٍ يهلّلُ، وصندلٍ يروحُ، ليجيء، وشمعون المنكسر ممدّدٌ في ذهول.
يوم أدمعتُ أنا .. قُرب بسطةِ الخضار .. هنا .. حيثُ لا شيء سوى أصابع مرتجّة، وتجاعيد، وعينين كشاشتي إرسال ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى