فوز حمزة - من مكان يدعى الروح.. قصة قصيرة

حينما طلب مني رئيسي في الصحيفة التي أعمل فيها أن أكتب قصة عن السلام .. ضحكت في سري .. أي سلام أكتب عنه وإلى جانبي على السرير ينام الخصم كل ليلة ..
متسلحين أنا وهو بكل ما من شأنه أن يهزم الآخر؛ عيوننا مشغولة بمراقبة بعضنا و أذاننا تسترق السمع لمعرفة ما يخبئه الطرف الثاني .. ألسنتنا مشحوذ .. كلا منا يتحين الفرصة ليثبت خطأ عدوه .
نعم عدوه ! قد تستغربون من هذا الوصف لزوجين عاشا سنينًا معًا لكن الأيام تعمل كما يعمل المنخل لما يسرب كل شيء من بين ثقوبه .. أصبحنا نتجنب الأحاديث التي دائما ما تنتهي بالمشادات و إلقاء الشتائم وكيل التهم .. في النهاية .. علي الإذعان للطلب وكتابة القصة .. الآن تيقنت بعد أن عاندتني الكلمات أن ما أكتبه يجب أن يولد من الرأس ليمر على القلب قبل أن ينتهي على السطور وإلا فأنها ستظل كلمات صماء لا روح فيها .
جلست إلى مكتبي .. كل شيء فيه يدعوني للكتابة إلا الفكرة التي سأبدأ منها .. أشعلت المصباح المنضدي.. ظلال الأشياء التي سقط عليها النور بدت أشكالها رائعة؛ يشبه الإحساس الذي ولد داخلي .. كأنني فتحت نافذة في قلبي لأسمح للنور في الدخول إليه .. قوة حكيمة نبعت مني وصبت بجواره ..
شيء فيّ زالت عتمته ..
قلت لنفسي .. هذه المرة سأدخل القصة من أطرافها .. من النهاية .. ماذا يتطلب السلام ؟
كتبت على الورقة .. أن أنزع السلاح .. لكن قبل ذلك يجب تبييت النية لإحلاله ..
ثمة سؤال تبادر إلى ذهني .. هل من السهل عمل ذلك ؟! لا أدري .. لكن الأمر يستحق المحاولة ..
سأكف من هذه اللحظة عن إصدار الأوامر وإلزام الآخرين بتنفيذها .. سأنهي حالة النفير في البيت وأجمع البنين والبنات لأصنع منهم فريقا واحدًا .. أما كرامتي .. سأضع لها في الشراب منومًا ثقيلًا كي أتمكن من الاختلاء بخصمي لعلنا نتمكن من رسم حدود منطقة يحرم فيها القتال .. نحتاج لهدنة بعد كل تلك المعارك التي لم ينتصر فيها أحد..
أطفأت المصباح وأعدت تشغيله .. عاد النور يشع ثانية لكن هذه المرة في الساعات التي مضت .. في التقاويم التي تحمل في رحمها المستقبل .. تركت كل شيء وأصغيت إلى صوت يهمس لي من مكان يدعى الروح : لن يعم الخير ما لم يلامس أرواحنا أولاً ثم يتفجر منها ..
وكأن هواءً ثقيلًا فاسدًا أخرجته من رئتي ..
دونت في الأوراق التي أمامي : في الحياة؛ هناك أشياء كي تحصل عليها عليك بالقتال من أجلها .. وأشياء مثل تحصل عليها إلا بترك القتال ..
سأطوي صفحات الماضي .. بل سأمزقها لئلا أعود لقرائتها ثانية .. سأبدأ من هذه اللحظة بصنع ذكريات جديدة لأيامنا القادمة ..
كانت هذه هي البداية لقصة السلام القصيرة
  • Like
التفاعلات: ادريس عزابي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى