ميشال سعادة - مَوعِدٌ آخَرُ لهَا..

1
لِي أَن أُغمِضَ جَفنَيَّ
لَيسَ لِي أَن أَغفُوَ
جُرحُ المَسَافَةِ يُمَزِّقُ الوَرِيدْ
جُرحُ الحُضُورِ قَاتِلٌ وَعَنِيدْ
وَمَا بَينَ الجُرحَينِ
أَنتِ حِينًا _
شَمسٌ تَغِيبُ فِي أُفُقِ عَينَيَّ
وَحِينًا _
نَجمِةٌ تَحرِسُ دَربِي
يَقتَرِبُ ضَوؤُها
تَقتَرِبِينَ وَلا تَقتَرِبِينْ
كأَنَّ وَجهَكِ نَسِيمٌ يُدَاعِبُ
أَورَاقَ الشَّجَرْ
يَترُكُ وَشمًا عَلَى الظِّلالِ
وَعَلَى مَبسِمِ العَبِيرْ
وَلا زِلتِ
فِي مَدَى التَّسَابِيحِ تُبحِرِينْ
تَعِبتْ حَقَائِبُكِ مِنَ السَّفَرْ
أِلمْ تَتعَبِي من غُربَةٍ
وَشَّاهَا الغُرُوبْ ؟
2
يا امرَأَةُ !
غَمَستُ رِيشَتِي
في مَحبَرةِ الأَحلامْ
رَسِمتُ لكِ الحُروفَ
عَلَى قُبَلِ الكَلامِْ
ما استَسلَمتُ لأَحزَانٍ
فِي الصَّبَاحِ
وَلا فِي المَسَاءْ
أَنعَمُ بحُبٍّ أَخضَرَ
فَلا تَسأَلِينِي –
لِمَنْ هَذِي الكَلِمَاتْ ؟
وَلِمَنْ كِتَابَاتِيَ الخَضرَاءْ ؟
أَنا لَم أَكتُبْ إلَّا لامرَأَةٍ وَاحِدَةٍ
وَحِيدَهْ
وَبِي خَوفُ أَنْ تَحتَجَّ عليَّ القَصِيدَهْ
وَتُعلِنَ حَربًا عَلَيَّ عَلَيكِ
وَتَلعَنَ جُذُورَ هَذَا الوَفَاءْ
3
... وَتَعرِفُ هَذِي القَصَائِدُ أَنَّكِ
تَسكُنِينَ أَسِرَّةَ الحُرُوفِ
مِعطَفُكِ قَامُوسُ رُؤًى
شَالُكِ إبَرُ المُفرَدَاتْ
وَتَعرِفُ هَذِي القَصَائِدُ
أَنَّ حُبِّي أَعمَقُ مِن صَمتٍ
يَعصَى عَلَى جَمِيعِ اللُّغَاتْ
وَتَعرِفُ أَنَّكِ دَربِي عَلَى الدَّربِ
وَأَنَّهَا تَمشِي شَبِيهِي وَلا تَصِلُ
حَسبِيَ أَن يُقَالَ عَنِّي
إِنِّي خَبَّأْتُكِ فِي جَفنِ الكِتَابْ
وَإِنِّي أَحرَقتُ أَيَّامِي
فِي شَرَايِينِ الكَلِمَاتْ
4
تَرَكَتنِي الكَلِمَاتُ وَحِيدًا
عَافَتْ قَلَمِي
لكنَّها حَطَّتْ عَلَى الوَرَقِ
هَرَبَتْ مِن كَهفِ مَحبَرَةٍ
رَغبَةً بِدَفَاءَةِ مَعَانِيهَا
وَتَسأَلِينَنِي عَن حِلِّي وَتَرحَالِي
أَنا يَا امرَأَة
صَلَّيتُ فِي هَيَاكِلِ القَلَقِ
إحتَرَفتُ الرَّحِيلَ عَلَى الوَرَقِ
أَرسُمُ طُفُولَةَ وِجهِكِ
وَانحِنَاءَةَ الحَنَانِ فِي عَينَيكِ
لكنِّي _
ما يَومًا رَضِيتُ
عَن لُغَةٍ وَصَفَتْ بَهَاكِ
وَلا عَن رِيشَةٍ لَوَّنَتْ حَلاكِ
5
حُبُّكِ
صَدِّقِينِي _
عَلَّمَنِي أنَّ الصَّمتَ أَقوَى من الكَلِمَاتْ
أنَّ المَعَانِي تُسافِرُ كالمِاءِ
فِي جَمِيع الجِهَاتْ
يُشَكِّلُ المَاءُ في تَرحَالِهِ دَائِرَاتٍ
دَائِرَاتْ
يَضُخُّ فِي حُرُوفِيَ الحَيَاةْ
6
كالنُّسغِ
حُبُّكِ يَزِيدُ أَورَاقِيَ اخضِرَارًا
وَأَسأَلُ _
كيفَ لِنُقطَةِ مَاءٍ وَحَبَّةِ تُرَابٍ
تَصِيرَانِ عَلَى الغُصنِ ثَمَرَهْ ؟
كيفَ للحُبِّ قُبلةٌ قُبلَتَانِ
وَتَكِرُّ سُبحَةُ الأَمَانِي ؟
7
يا امرَأَةُ !
مُذْ عَرَفتُكِ أَقرَأُ فِي كتَابِ الأَرضِ
أُحَاكِي الفُصُولَ وَأعجَبُ
أُحِبُّكِ وَأَرغَبُ
وَأَسأَلُ _
‎كيفِ للتَّحَوُّلاتِ عَوْدٌ عَلِى بَدءٍ؟
كأَنْ لا مَاضِيَ مَرسُومًا في الآفاقِ
مُجَرَّدُ حَاضِرٍ يُسَبِّحُ الآتِي ؟!
8
... وَتُقِيمِينَ طِفلَةً فِي أَعمَاقِي
فِي عَينَيكِ يَرتَاحُ قَمَرْ
أَطبَقَ عَلَيهِ جَفنَيكِ
أَدرَكَ أنَّ فِي عَينَيكِ آلهَةً أُخَرْ
شَكَرتْ وَجهَكِ المَرسُومَ في شِعرِي
وَغَامَتْ آلهَةٌ فِي السَّفَرْ
9
يا امرَأَة !
تُسَافِرِينَ وَتَظلِّينَ مَعِي
فِي يَدِي .. فِي الفُؤَادِ
فِي تَجَاعِيدِ الحُرُوفِ
وَفِي أنفَاسِ العُشبِ الرَّطِيبِ
تَتَسَاءَلِينَ _
لمَ أنا مُرَاهِقٌ ؟
وَتَعجَبِينَ لمَ أنا عَاشِقٌ ؟
وَتَدُورِينَ فِي بُحُورِ الأسئِلَةِ
وَفِي رِحَابِ الصَّمتِ الرَّهِيبِ
10
يا امرَأة !
تَعِبتُ مِن رَحلَتِي فِي الحُبِّ
فِي المَدَى
وَلَم يَتعَبِ الكَلامْ
عَزَفتُ عَلَى أَوتَارِ الحُرُوفِ أَنغَامِي
سَافَرَ عَلَى جَنَاحَيهَا الرَّنِينْ
تَهَادَى عَلَى مَسمَعِيَ الصَّدَى
وَبَينَ لَيلٍ يَذهَبُ
وَصُبحٍ يَعُودُ
أَنَامُ فِي بَيتِ شِعرٍ وَأَصحُو
قَندِيلِيَ أَخضَرُ
وَأَنتِ القَصِيدَةُ
مَوعِدٌ آخَرُ

ميشال سعادة
صَبَاح 19/1/2017

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى