محمد أبوالعزايم - صوت.. شعر

إلى أمل دنقل


يا صاحِبي..
_والموتُ مُرّْ _
أتيتَنا لِتلعنَ النصيبْ
وتلعنَ القدَرْ
ومِكبحًا أضاعَ من يديكَ فرصة النّجاةْ
مِن عالمٍ أَمَرّْ
إذْ كنتَ شاردًا تسيرُ في الشوارع المُضبَّبة
في أوجُهِ الماشينَ تُرسلُ النَّظر
في المركباتِ والبيوتِ والمَحالِ والشجرْ
كأنهُ عتابك الأخيرْ
لعالم البشرْ
مكبَّلًا بما مضى،
وخائفًا مما يجيءُ في غدٍ
وضائقًا بما حضرْ
تجترُّ جسمًا من أسى..ببعض روحٍ مُتعَبة
وكنتَ تَعبرُ الطريقَ في انطلاقِ مركَبة
ترتجُّ_مِن رُعبٍ_ فرائصُ الطريقِ تحتَها
كأنها مخمورةٌ مُغَيَّبة
يحُومُ حول موتِكَ الوشيكِ طَيشُها
وحولَ موتِها تطوف!
وحينَ دَوَّتْ صرخةُ الرَّصيفْ
مُخيفةً..
وبينما تحاولُ الوقوفْ
وتنفضُ الغُبارَ عن ثيابِك المُهلْهلة
والبنتُ خلفَ المِقوَدِ السَّكرانِ ذاهلة
وقبلَ أن
يُغَيِّبَ الدخانُ وجهَ البنتِ عنكَ
في تصاعدِ الدخانِ مُسدِلًا سِتارَهُ الكثيف
أنهيتَ هذي اللحظةَ الُمُترَّبة
ورُحتَ _في عين الفتاةِ_ترمقُ الحياةَ كلها
بنظرةٍ مُعاتِبة
عيناكَ قالتا لها مالا يُقالُ بالكلامْ :
ضنَنْتِ_ما ضننتِ_ بالمُقامْ
والآن _أيضًا_ بالسَّفر!
وجئتنا في مجلسٍ الأصحابِ..
جئتَ في المساءْ
تقولُ كانت فرصةً لتكتبوا قصائد الرثاءْ
ففاتكم أن تكتبوا
وفاتني أن ينتهي بالموتِ عمرٌ من هَباءْ
عمرٌ بلا جدوى..وأيامٌ غُثاءْ
قلتَ الذي كنا نريدُ أن نقولَ _كلُّنا_
ونحنُ _واجمينَ_ نحبسُ البكاءْ
لكنَّ صوتًا _ليس كالأصواتِ_ جاءْ
مِن عتمَةِ اليأسِ المُحيطِ ساطعًا
كهالةٍ من الرجاءْ
نادى،فمزَّق الظلامَ حولَنا..
نادى، وكرَّر النداءْ:
يا أصدقاءْ :
الشعرُ للحياةِ أعيُنٌ _إذا صدقْ_
وأنتم الدموعُ في عيونِها ..
والنبضُ لو فؤادُها خفقْ
يا ذي الدموعُ في الحدَقْ
يا أنجُمًا_في الليلِ_تكسِرُ الغسَقْ
يا خيطَ ضوءٍ واثقًا يمرُّ في الممشى النفقْ
يا صرخةً أخيرةً للشمسِ ساعةَ الشفقْ
تصيحُ في وجهِ النهارِ_إن غفا_ لعلَّ يستفيقْ
وربما نملّْ
وقد يعوزُنا الأملْ
وربما صدورُنا تضيق
لكنَّما للشمس دائمًا عدة
بأن تفيءْ
وللشروق موعدٌ..
ماذا يُهِمُّ لو جهِلنا أو عرَفنا موعدَهْ
غدًا يجيءْ
ويا رفيقْ
الشعرُ جذوةٌ..وكلما خَبَتْ تُفيقْ
وكلما عيونُ شاعرٍ غفتْ..صحا على حريقْ
لكنَّهُ مقدورُنا :
أن نكشفَ الطريقْ
يا أيها الصديقْ
يا أيها الموعودُ للحزنِ الأنيقْ
خُلِقتَ شاعرًا،وحولَنا زمانُنا الرديءْ
فاكتب،وحلِّق،واحترقْ..
لعلنا نُضيءْ
واترك هنا_يا صاحبي_بذرة
أو انزَرع فسيلة
فالغايةُ التي لأجلها نسيرْ
وحولنا الهجيرُ والغبارُ ، والغبارُ والهجيرْ
لأجلها نصيرْ
_يا صاحبي_ وسيلة
لعلَّ مارًّا من هنا أراد يستظلّْ
أو ربَّما أسندَ ظَهرَه.

محمد أبوالعزايم


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى