دعوت خادمي لمقابلتي، حتى إذا وقف أمامي وهبته مائة دينار. اشتعل وجهه سروراً، حتى بانت نواجذه، وظهر معها سني الذهب.
لكن سعادته سرعان ما تبدلت إلى تساؤل.
قلت له:
- إنها خارج راتبك
فاشتعل سروراً من جديد.
- لكنها ليست لك
فبان الكدر عليه.
- إنها لعلاج ابنتك
اكتسى وجهه بالوجوم.
رفعت إصبعي مهدداً
- إياك أن تنفقها على نفسك
كانت طفلته مريضة، أخبرتني أمها بذلك هذا الصباح، إنه لا يملك من المال ما يكفي لشراء الدواء لها، ولم تخبرني بالمزيد، لكني كنت أعرف أين ينفق ماله، والحال أني من بين جميع أثرياء هذا الحي معروف بكرمي، وأجرة هذا الخادم تعادل أجرة اثنين من خدم البيوت الأخرى.
أراد الكلام لكني أرغمته على الصمت، ولكي لا أدع له فرصة لتبذير المال قلت:
- سأطردك من العمل إن صرفت المال
حدق في بعينين مشدوهتين، ثم تأمل المائة دينار، كنت أعرف ما يشعر به جيداً، كان يريد أن يلقي بها إلى الأرض، لكنه تذكر ما يدين به لي فقبض على المال، وانصرف وأنا أشيعه بنظرات ملؤها الاحتقار.
كان في الأربعين، غير أن من يراه يحسبه في السبعين.. جسم ضعيف وعقل أضعف، ونفس خبيثة وحياة ملؤها الرذيلة، تنفتح أبوابها على المسكرات طوال الليل، حتى إذا جاء إلى عمله صباحاً كانت عيناه تنطقان بما فعله مساء، تزوج متأخراً وأنجب ابنة وحيدة، ولولا هذه البنت لما فكر في العمل حتى.
جاءني يطلب عوناً لابنته، فخيرته بين العمل لدي بأجرة شهرية لا يحلم بها أمثاله، وبين مساعدة سرعان ما تنتهي، فاختار الثانية.. أعطيته المال وأنا أعجب لحاله، لكن في المساء جاءتني امرأة في الثلاثين من عمرها، أخبرتني أنها زوجته ورجتني أن أقبل به خادماً، كانت رؤية رضيعتها أقوى من إرادتي، فقبلت به.
إن له وجهاً لا يريح، وعيناه تشبهان مصباحين على وشك الذبول، وفم لم يقرب الفرشاة يوماً، ومشية بطيئة كأنما بدنه موثق إلى الأرض بالحبال، ومع ذلك قبلت به، من أجل رضيعته.
في أوّل الأمر بدا خادماً نشيطاً، يكمل عمله ثم يٍسألني إن كنت بحاجة إلى عمل آخر قبل أن ينصرف، وكنت أكرمه ببعض المال، لكنها كانت ثلاثين يوماً لا أكثر، وانكشف عن إنسان لا أخلاق له.
كانت حديقة المنزل كبيرة، والجنايني يجهد في العناية بها، لكنه كان متقدماً في السن، وخمنت أن وجود هذا الخادم سيغير شيئاً في الأمر، لكن الأمور جرت خلاف ما تصورت، فبعد شهر واحد فقط، وكنت اتخذت مجلسي الأثير قرب مكتبتي، وأشعلت الغليون، سعيداً بالساعة التي أنصرف فيها للقراءة، طرق الجنايني الباب، وعندما دخل أخبرني أن هناك جماعة تسلقت السور، واتخذت لها مكاناً راحت تعاقر فيه الخمرة. لم يكن ذلك أمراً يدعو للقلق، لكن متزعم هذه الجماعة كان الخادم اللعين.
توجهت إلى هناك وأنا متوتر الأعصاب، فوجدته يمسك بزجاجة الخمر، وهو ينهق كالحمار، فيما بقية الضيوف الكرام، يرددون غناءه الجميل! بأصوات منكرة. حتى إذا وقفت أمامه، رمى بزجاجة الخمر، ووقف مضطرباً.
قررت أن أطرده، لكن زوجته كانت تعرف نقطة ضعفي جيداً، فكما جاءت في المرة السابقة، جاءت هذه المرة تحمل ابنتها الصغيرة، ومع الابتسامة البريئة للطفلة، وكلمات الرجاء، عفوت عنه، ووهبتها بعض المال من أجل الصغيرة.
كنت أعرف جيداً أني إن ضعفت وعفوت عن خادمي مرة، فلن يمكنني مرة ثانية أن أطرده، وهذا ما حدث فعلاً، لقد اكتفيت منه بعمله المهمل، وبسلوكه السيئ، وكل ما كنت أفكر فيه حماية ابنته من الفقر.
لكن سعادته سرعان ما تبدلت إلى تساؤل.
قلت له:
- إنها خارج راتبك
فاشتعل سروراً من جديد.
- لكنها ليست لك
فبان الكدر عليه.
- إنها لعلاج ابنتك
اكتسى وجهه بالوجوم.
رفعت إصبعي مهدداً
- إياك أن تنفقها على نفسك
كانت طفلته مريضة، أخبرتني أمها بذلك هذا الصباح، إنه لا يملك من المال ما يكفي لشراء الدواء لها، ولم تخبرني بالمزيد، لكني كنت أعرف أين ينفق ماله، والحال أني من بين جميع أثرياء هذا الحي معروف بكرمي، وأجرة هذا الخادم تعادل أجرة اثنين من خدم البيوت الأخرى.
أراد الكلام لكني أرغمته على الصمت، ولكي لا أدع له فرصة لتبذير المال قلت:
- سأطردك من العمل إن صرفت المال
حدق في بعينين مشدوهتين، ثم تأمل المائة دينار، كنت أعرف ما يشعر به جيداً، كان يريد أن يلقي بها إلى الأرض، لكنه تذكر ما يدين به لي فقبض على المال، وانصرف وأنا أشيعه بنظرات ملؤها الاحتقار.
كان في الأربعين، غير أن من يراه يحسبه في السبعين.. جسم ضعيف وعقل أضعف، ونفس خبيثة وحياة ملؤها الرذيلة، تنفتح أبوابها على المسكرات طوال الليل، حتى إذا جاء إلى عمله صباحاً كانت عيناه تنطقان بما فعله مساء، تزوج متأخراً وأنجب ابنة وحيدة، ولولا هذه البنت لما فكر في العمل حتى.
جاءني يطلب عوناً لابنته، فخيرته بين العمل لدي بأجرة شهرية لا يحلم بها أمثاله، وبين مساعدة سرعان ما تنتهي، فاختار الثانية.. أعطيته المال وأنا أعجب لحاله، لكن في المساء جاءتني امرأة في الثلاثين من عمرها، أخبرتني أنها زوجته ورجتني أن أقبل به خادماً، كانت رؤية رضيعتها أقوى من إرادتي، فقبلت به.
إن له وجهاً لا يريح، وعيناه تشبهان مصباحين على وشك الذبول، وفم لم يقرب الفرشاة يوماً، ومشية بطيئة كأنما بدنه موثق إلى الأرض بالحبال، ومع ذلك قبلت به، من أجل رضيعته.
في أوّل الأمر بدا خادماً نشيطاً، يكمل عمله ثم يٍسألني إن كنت بحاجة إلى عمل آخر قبل أن ينصرف، وكنت أكرمه ببعض المال، لكنها كانت ثلاثين يوماً لا أكثر، وانكشف عن إنسان لا أخلاق له.
كانت حديقة المنزل كبيرة، والجنايني يجهد في العناية بها، لكنه كان متقدماً في السن، وخمنت أن وجود هذا الخادم سيغير شيئاً في الأمر، لكن الأمور جرت خلاف ما تصورت، فبعد شهر واحد فقط، وكنت اتخذت مجلسي الأثير قرب مكتبتي، وأشعلت الغليون، سعيداً بالساعة التي أنصرف فيها للقراءة، طرق الجنايني الباب، وعندما دخل أخبرني أن هناك جماعة تسلقت السور، واتخذت لها مكاناً راحت تعاقر فيه الخمرة. لم يكن ذلك أمراً يدعو للقلق، لكن متزعم هذه الجماعة كان الخادم اللعين.
توجهت إلى هناك وأنا متوتر الأعصاب، فوجدته يمسك بزجاجة الخمر، وهو ينهق كالحمار، فيما بقية الضيوف الكرام، يرددون غناءه الجميل! بأصوات منكرة. حتى إذا وقفت أمامه، رمى بزجاجة الخمر، ووقف مضطرباً.
قررت أن أطرده، لكن زوجته كانت تعرف نقطة ضعفي جيداً، فكما جاءت في المرة السابقة، جاءت هذه المرة تحمل ابنتها الصغيرة، ومع الابتسامة البريئة للطفلة، وكلمات الرجاء، عفوت عنه، ووهبتها بعض المال من أجل الصغيرة.
كنت أعرف جيداً أني إن ضعفت وعفوت عن خادمي مرة، فلن يمكنني مرة ثانية أن أطرده، وهذا ما حدث فعلاً، لقد اكتفيت منه بعمله المهمل، وبسلوكه السيئ، وكل ما كنت أفكر فيه حماية ابنته من الفقر.