د. دينا السيد الجميلي - إعجاز القرآن الكريم فى آية {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا}

في عام 1865م تقدم جورج أيري (George Airy) بنظرية مفادها أن القشرة الأرضية لا تمثل أساساً مناسبا للجبال التي تعلوها ، وافترض أن القشرة الأرضية وما عليها من جبال لا تمثل إلا جزراً طافية على بحر من صخور أعلى كثافة .. وعليه ، فلا بد للجبال لضمان ثباتها واستقرارها على هذه المادة الأكثر كثافة ، أن تكون لها جذور ممتدة من داخل تلك المنطقة العالية الكثافة .. إن التفسير العلمي لنظرية جورج أيري أتى من خلال النموذج الذي قدمه الجيولوجي الأمريكي دتون في عام 1989م (Theory of Isostasy) شارحاً به نظريته المسماة بـ "نظرية الاتزان" والمتمثل في مجموعه من حوض مملوء بالماء ، شكل المجسمات الخشبية المختلفة الارتفاعات طافية فيه ، وقد تبين من هذا النموذج أن الجزء المغمور في الماء من المجسمات الخشبية يتناسب طرداً مع ارتفاعه ، ذاكراً أنها في حالة أسماها بحالة الاتزان الهيدروستاني (State of Hydrostatic Balance) أما التمثيل الطبيعي والتقليدي لهذه الحالة فهي في الواقع حالة جبال الجليد العائمة (Iceebergs).
ثم تطورت العلوم وتوالت الكشوف ، وانتقلت قضية جذور الجبال من مرحلة النظرية إلى الحقيقة والواقع الملموس ، ووجدوا أن دور الجبال في حفظ توازن القشرة الأرضية واضح جداً ، خاصة تلك الجبال التي يسميها الجيولوجيون بالسلاسل الجبلية الالتوائية .. وهى منتشرة في قارات العالم ويفسر العلماء دور الجبال في حفظ التوازن فيقولون : إن الجبال لها امتدادات عظيمة الشأن تحت القشرة الأرضية .. ووجد أن القشرة الأرضية ذات سمك يتراوح ما بين 30 : 60 كيلومتراً ، وقد عرف ذلك بواسطة الأجهزة الحديثة مثل جهاز «السقموجراف» الذي أثبت أن كل جبل له جذر مغروس يثبّت طبقة القشرة الأرضية العلوية الصلبة في الطبقة اللزجة التي تحتها كالوتد كما صورها الحكيم الخبير في كتابه : «والجبال أوتاداً» ، (سورة النبأ الآية : 7).
وأكد العلم أن الجبال تعمل كحامية للقارات من الصخور السائلة التي توجد تحت القشرة الأرضية الصلبة ، ولولا جذور هذه الجبال المنغرسة لطفت القشرة إلى الخارج وانعدم توازن الأرض وثباتها .. وقد عرفت هذه الحقائق مؤخراً عام 1956 فقط!!
وإذا تأملنا قوله تعالى : «وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم» ، (سورة النحل الآية : 15) .. نجد أن العلماء يرون أن الجبال الالتوائية ألقيت فعلاً من علٍ .. من قمم الجبال القديمة بعد أن نحتتها عوامل التعرية ونقلتها ورسبتها في البحار التي نقلتها بدورها بواسطة الرياح لتستقر مرتفعة عن سطح البحر وقد التوت ونشأت منها السلاسل الالتوائية أي أن الجبال الالتوائية الموجودة وجدت من الرواسب التي ألقيت من هذه البحار القديمة.
ويؤكد المعنى نفسه الجيولوجيان «كوبر» ، و«سوس» حين يقولان : «إن عوامل التعرية هي التي نحتت الجبال القديمة ونقلتها إلى أحواض البحار الداخلية القديمة ، حيث تراكمت الرواسب ملايين السنين ، ثم انضغطت على شكل جبال التوائية حديثة التكوين».
توازن الأرض
وهناك حقيقة علمية أخرى وصل إليها البحث العلمي ، وهي أنه لو كانت الأرض بحجمها الحالي مكونة من الماء بنسبة أكبر ، لبلغ وزنها أقل مما هي عليه الآن ، ولما تمكنت من حفظ نسبة بعدها عن الشمس ، بل لانجذبت إليها واحترقت .. ولو كان أكثرها مكوناً من اليابس لزاد وزنها على ما هو عليه الآن ، ولبعدت عن الشمس البعد الذي لا تتحقق معه الحياة ، لأنها في هذه الحالة تتجمد من شدة البرودة.
قال سبحانه وتعالى : «ألم نجعل الأرض مهاداً ، والجبال أوتاداً» ، (سورة النبأ - الآيتان : 6 و7) .. وقد أثبت العلم الحديث أن الجبال على سطح الكرة الأرضية موزعة بدقة وحكمة بحيث تساعد على التوازن بين المرتفعات والمنخفضات ، حتى لا تضطرب الأرض ولا تميل بنا ، فكأن هذه الجبال تعمل عمل الأوتاد التي تحفظ توازن الخيمة واستقرارها.
مقارنة بين ما ذكره القرآن وما ذكرته الموسوعة البريطانية :
عرَّفت الموسوعة البريطانية (Encyclopedia Britannica) ذائعة الصيت الجبال حيث قالت : "إن الجبل هو منطقة من الأرض مرتفعة نسبياً عما حولها" .. ثم تحدثت الموسوعة عن سلاسل الجبال وأنواعها المختلفة .. وهكذا نجد أن الموسوعة قد اقتصرت في تعريفها للجبال على الشكل الخارجي فحسب .. أما القرآن الكريم فَقد لفت انتباه الإنسان إلى ظاهرة الجبال كونها آية من آياته الكونية عندما قال : {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ . وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ .* وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} [الغاشية : 17-19] ، كما أن القرآن الكريم كان قد وجه الإنسان إلى تلك الحقيقة من خلال الآية الكريمة : {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ : 7] ومعرفة أسرار هذه الحقيقة ما كان متيسراً في القرون التي سبقت قرون الكشوف العلمية ، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم أيضاً في قوله تعالى : {لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام : 67] إلا أن ذلك لم يمنع العالم المسلم من أن يسبق عصره في فهمه لبعض الظواهر والسنن الكونية -على الأقل في صورتها الجمالية- فكيف به لو استفاد مما هو متوفر له الآن ، أو يتوفر في المستقبل من إمكانات علمية ومفاتيح معرفية .. وسيكون العلم في عصرنا والعصور التالية برهاناً ساطعاً على صدق الوحي .. وسيشهد العلماء قبل غيرهم بهذا ، قال تعالى : {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ : 6] ، وستتجلى آيات الله في الآفاق والأنفس حتى يتبين للناس أن الذي أنزل على محمد هو الحق.
من كتاب " الإعجاز العلمى فى القرآن" تأليف أبى سماحة العالم الموسوعى الجليل الدكتور السيد الجميلى الرائد الأول فى هذا المجال
😢
💔
رحمه الله رحمة واسعة
🤲

اللهم تقبل من أبى
😢
💔
صلاته ، وصيامه لك ، وسائر طاعاته ، وصالح أعماله ، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة ، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام ، واجعله من الفائزين ، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ .. يا رب العالمين
🤲



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى