ميشال سعادة - جَدِّي... وَالأَرضُ امرَأَة

عَلَّمَنِي جَدِّي فِي كتَابِ الأَرضِ
أَنَّ جُرحَ الأَرضِ مِعطَاءٌ
أَنَّ حَبَّةَ التُّرَابِ مَحَبَّةٌ
وَعِلَّةُ التَّنَوُّعِ
تُؤَسِّسُ للرُّوحِ .. للقَلب
عَلَّمَنِي أَنَّ الأَحلامَ وَاضِحَةٌ
لَكِنَّنَا نَحتَاجُ فَلسَفَةً قَوِيَّةً
تَتَمَاهَى مَعَ سَاعِدٍ تُغَذِّيهِ العَافِيَهْ
كُلُّ جُرحٍ نَبعٌ
يَجمَعُ بَينَنَا وَبَينَ الأَشيَاءِ
كَانِ جَدِّي _
بِقَدْرِ ما يَقتَرِبُ مِنَ التُّرَابِ
يُعَانِقُ مَحَبَّةَ الآخَرِ
يَكتُبُ الشِّعرَ بِأَدَوَاتِ الحِرَاثَةِ
يَنشُرُ أَجوَاءَ الفَرَحِ
كُلُّ جُرحٍ حُلمٌ
يُحَقِّقُ ما نَستَحِقُّ فِي الحَيَاةِ
عَلَّمَنِي جَدِّي كيفَ أُشتَعِلُ
شَرطَ أَن يَكٍونَ الأشتِعَالُ
حَالَةَ اشتِعَالٍ دَائِمٍ يَربِطُنَا بِالحُبِّ
حَلُمتُ بِفَضلِهِ _
أَن أَكُونَ ابنَ الشَّمسِ
أَن أَحلُمَ بِامرَأَةٍ قَمَرْ
أَن أَكشَحَ عَن وَجهِيَ أَوهَامَ التَّارِيخِ
أَن أَسعَى إِلى اكتِشَافِ مَنْ أَنَا ؟
مَنْ أَكُون ؟
أَن أَبدَأَ أَو أَمُوت
أَلَّا تَنطَفِئَ الكَلِمَةُ فِي الصَّمتِ
فَيَمَّحِيَ الإِنسَانُ مُكتَفِيًا بِالرِّضَا السَّعِيدْ
وَتَتَعَطَّلَ فِيهِ قِوَى الرَّفضِ
وَتَخبُوَ أَسَاطِيرُ الفِردَوسِ المَوعُودْ
عَلَّمَنِي جَدِّي _
أَن أَجِدَ ذَاتِي
أَن أَكونَ ذَاكَ الإنسَانَ
يُعطِي الحَيَاةَ للحَجَر
يَترُكُ لَهُ أَن يَتَكَلَّمَ
عَلَّمَنِي _
أَنَّ الفِكرَةَ لا تَكتَمِلُ إلَّا بِالشِّعرِ
بِالغِنَاءْ
أَنَّ الإنسَانَ لَيسَ إِنسَانًا إِلَّا بَينَ النَّاسِ
عَلَّمَنِي أَنَّ مَجَارِي النَّبعِ تَمَّحِي
وَتَزُولُ مَتَى يَجِفُّ المَاءْ
أَنَّ الصَّمتَ بِدَايَةُ الأَشيَاءْ ...
قَالَ _
تَعَلَّمْ يا بُنَي
كيفَ تَتَنَفَّسُ كَي تُولَدَ الكَلِمَاتُ
إِبتَكِرْ لَيلَكَ
ضَوِّئْهُ
وَنَهَارَكَ الذي يَنهَضُ لَيلًا
مِن سَرِيرِ المَوتِ
كَلِّلْهُ بالعَافِيَهْ
أُخرُجْ إِلَى الأَرضِ
إِلى الشَّمسِ وَاسرُقْ خُيُوطَهَا
قَبلَ أَن يَمتَصَّهَا الشَّجَرُ
والعَصَافِيرُ والأَنهَارْ
دَاعِبِ الصَّخرَ
وَامتَطِي أَموَاجَ القَمحْ
تَنَزَّهْ فِي تَجَاعِيدِ الجَبَلِ
لا تَحمِلْ بِيَدِكَ سَيفًا قَاطِعًا
وَلا رِمحْ
الطَّبِيعَةُ بَيتٌ وَسِيعٌ دُونَ نَوَافِذَ
دُونَ سَقفٍ وَأَبوَابْ
للطَّبِيعَةِ مَرَايَا تَدُلُّ عَلَيكَ
مَائِدَتُهَا خُبزٌ .. مِيَاهٌ وَحَشِيشْ
لَكَ فِيهَا يَدٌ تَقُودُكَ صَوبَ الخَيرِ
وَامرَأَةٌ تَرعَاكَ سَوَاءَ السَّبِيلْ
إِبتَكِرْ هَذِي المَرأَةَ التي
بِدَورِهَا تَبتَكِرُكُ كُلَّ آنٍ
جَسَدُهَا قُبَالَةَ جَسَدِكَ
مَوجَتَانِ
لَيلُكٍمَا بَحرٌ
جَسَدُهَا قُبَالَةَ جَسَدِكَ
صَخرَتَانِ
لَيلُكُمَا صَحرَاءُ
جَسَدُكَ قُبَالَةَ جَسَدِهَا
شُعلَتَانِ
لَيلُكُمَا نُجُومُ أَحلامٍ وَاشتِعَالْ
جَسَدُهَا قُبَالَةَ جَسَدِهَا
كَوكَبَانِ
لا تَخَفْ سُقُوطًا فِي سَمَاءٍ فَارِغَهْ
هَذَا العَالَمُ لَيلٌ
مَعًا تُضَوِّئَانِهِ ..
يا امرَأَة _
عِندَمَا إلى الفِرَاشِ تَأوِينَ لَيلًا
لا أَنَامْ
أَظُنُّكِ تَحلُمِينَ أَنِّي
أُدَاعِبُ مِنكِ الوَجنَتَينِ وَالجَبِينْ
وَالخَصرَ والقَامَهْ
مَا يَومًا _
نَسِيتُ ذَاكَ الثَّغرَ المَفتُوحَ
عَلَى مَدَى الحَنِينْ
وَلا غَابَ عَن بَالِيَ جِيدٌ
وَلا مَلَلتُ استِعطَافَ نَهدَيكِ
وَنَدَى يَدَيكِ
كَبُرعُمَينِ عَلَى غُصنٍ
دُونَنَا حَزِينْ ..
يا امرَأَة _
تَنَامِينَ كَمَا المَاءُ عَلى العُشبِ يَنَامْ
يَخطُرُ عَاشِقٌ يَنحَدِرُ مَعَ نَهرٍ
يَلتَقِيانِ في عَينَيكِ
لَيلٌ يَنتَهِي لِيَبدَأَ نَهَارٌ
عَلَى شَفَتَيكِ
تُبَرعِمُ عَلَى فَمِي قَصِيدَهْ
عِندَهَا إِلى جَسَدِكِ
أَرَاهُ يَنفَتِحُ عَن ضَوئِهِ
شَهوَةَ وَردَةٍ للشَّمسِ .. للمَاءِ
أَغمِضِي عَينَيكِ
وَاسمَعي غِنَاءَ الضَّوءِ
إِفتَحِيهِمَا _
أَنا قُربَكِ جَالِسًا
أُسنِدُ الضَّوءَ إِلى رِيفِ كَلِمَةٍ
تَفتَحُ جَنَاحَيهَا إِلى حَيثُ أَنتِ
إلى حَيثُ لَستِ
سِوَى أَسئِلَةٍ
وَالأُفقُ جَرِيحٌ لا يُجِيبْ
لَكِنَّ فَضَاءَنَا نَارٌ وُأَشعَارٌ
طُيُورُهُ أَلحَانٌ وَقَصَائِدُ
كُتِبَتْ عَلَى سُطُورِ المَسَاءْ ..
إِنهَضِي _
يا امرَأَة مِن فَمِ الفَجرِ
إِستَيقَظَ العٍشبُ وَاشتَعَلَتِ الرَّوَابِي
غَنَّى الحَجَرْ
وَهَذِي الرِّيحُ تَعزِفُ أَلحَانَ الرَّبَابْ
إِنهَضِي _
نَنحَنِ مَعًا عَلَى خَاصِرَةِ الرِّيحِ
عَلَى بُكُاءِ الغَيمِ والضَّبَابْ
عَلَى وِشَاحِ حُبِّنَا الأَخضَرْ
عَلَى صَلاةِ النَّبعِ
وَشَمسِ القَصِيدَهْ
إِنهَضِي _
لا وَقتَ لِنَومٍ رَسَمنَا الحُبَّ فِيهِ
يُؤَاخِي البَيتَ والقَافِيهْ
إِنهَضِي _
نَشتَمَّ رَوَائِحَ أَرضٍ مِعشَابْ
نَرتَمِي في حُضنِ نَسَائِمَ مِغنَاجْ
هِيَ ذِي الطَّبِيعَةُ بَيتٌ دُونَ نَوَافِذَ
دُونَ سَقفٍ وَأَبوَابْ
إِنهَضِي _
هَبَّ الفَرَاشُ عَلَى جَنَاحِ الرِّيحِ
يَتَهَادَى
وَاتَّكَأَ الحُلمُ عَلَى كَتِفِ الدَّالِيَهْ
إِنهَضِي _
مَعًا نَلتَحِمُ
مَعًا نَشتَعِلُ
وَمَعًا نَنطَفِئُ
لا قِيمَةَ لِحُبٍّ دُونَ اشتِعَالْ
دُونَ رَمَادْ
فِي الرَّمَادِ بُكاءُ النَّارْ
فِيهِ شَوقُنَا الهَائِجُ
وَأَموَاجُ البِحَارْ
هَلُمِّي إِلى فَوَاكِهِ المَاضِي
إِلى قَصَائِدَ مَحَوتُ عَنهَا الغُبَارْ
مَسَحتُ عَن وَجهِهَا الغِيَابْ
هَلُمِّي دَحرِجِي الحَجَرَ
وَاكشَحِي الضُّبَابْ
هَلُمِّي يا حَبِيبَتِي
لا تَدَعِي الغِيَابَ يَتَوَافَدُ
عَلَى بَابِ القَصِيدَهْ
أَنا _
ما زَالَ فِي جَسَدِي
دَمٌ يَضِجُّ وَمَاءْ
فِي يَدِي مِصبَاحٌ يُضِيءُ الأُبجَدِيَّهْ
مِن أُلِفٍ وَيَاءْ
هَلُمِّي _
نَستَعِدْ نَسَائِمَ قَدِيمَهْ
وَمَقهًى ذِكرَيَاتُهُ شَمِيمَهْ
لا زَالَتْ فِي البَالِ
وَأَرصِفَةً مُقِيمَهْ
وَلا زَالَ هَذَا القَلبُ يُلَملِمُ أَلوَانَ الشَّجَرِ
هُنَاكَ .. هُنَاكْ
هَلُمِّي _
نَتَأَرجَحْ بَينَ القَصِيدَةِ وَالصَّدَى
نَنحَنِ كَمَا الأُغصَانُ عَلَى أُمِّهَا الشَّجَرَهْ
تَحصِدُ الرِّيحَ والشَّمسَ والمَدَى
وَشَهوَةً مُعَتَّقَهْ
تَرَكنَاهَا تَئِنُّ وَتَبكِي وَحِيدَهْ
تَنسَلُّ _
بَينَ حِينٍ وَآخَرَ
تُوقِظَ فَوَاكِهَ ما قَد مَضَى
هَمسًا تَقُولُ _
إِنْ خَبَا الحُبُّ
لا تَخَفْ
يَبقَ رَجْعُ الصَّدَى ..

ميشال سعادة
ليل الثلاثاء 12/4/2022

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى