د. سيد شعبان - بنت الحارس أحلام

تأنقه في ثيابه،العطر الذي يحرص أن يكون رسوله إليها،يبدو في زينته مثل عروس في يوم زفافها،الشعر الأبيض أمعن في إخفائه،حتى تجاعيد وجهه شدت في عيادات التجميل،تراه عين الناظر فتخاله شابا في العشرين من عمره أو ناهزها قليلا،كل هذا لأجلها؟
ولم لا ؟
عاش منكبا على كتابه،اختطفه الزمن من عالم يمور بالحياة من حوله،لقب ظل طوال عمره يجري وراءه،انطوى على نفسه،نسي أن له حاجة إلى المرأة لم يقضها،الآن هو على أعتاب الأربعين،وجدها يمامة تختال بين المدرجات،أيمسك بصيده فلا يهرب منه؟
النفس عطشى،والسنوات مضت سراعا،يؤلمه أن يعيش في هذه الحياة مثل شجرة عقيم،بل هو كذلك،فلسفته فيما اعتنقه من مذاهب وآراء جنت عليه،أي لقب لا يعدل أن يجد جواره طفلا يبتسم له،تصبح الدنيا أرحب فضاء،بل تسقط كل تلك التهاويم التى تقف عثرة أمام نظرة من عينيها،ساعتها يذوب ما به من جليد ثقل على جسده فتجمدت روحه،المرأة ذلك الكائن الذي احتقره ذات يوم،شوبنهور ومذهبه في القوة،الحب ضعف فلا يليق به أن يصيبه ذلك الداء،أحب العقاد،وجده تعالى عليها،لم يأبه كثيرا للشائعات التي حامت حوله،يكفيه ذلك المجد الأدبي،كتبه باقيات تحدث عنه.
ثم ماذا؟
أي نفع لكل هذه الوساوس التى اغتالت فرحته،تحصل على اللقب القيد،وحيدا إلا من بعض أقاربه يوم أن أعطوه الدرجة العلمية،وقف متحسرا،مات أبواه،حين عاد إلى حجرته المنزوية في ذلك البيت العتيق،وجدها باردة،لم يجد حضنا يأوي إليه،نظر أقلامه فإذا هي الآن أسنان وحش كاسر افترسه خمسة عشر عاما،البرودة تسري في جسده،انتابته نوبة من بكاء،تراقصت في عينيه أحلام تلك الفتاة التى أحبها ذات يوم،لكنه تعالى عليها؛كيف لجراح مثله أن يتزوج بابنة حارس في مخزن للحبوب،سيسخر من زملاؤه،الكلمات البادئة بحرف العين مغرية حلوة؛عروس،عربة،عزبة!
بنت الحارس أحلام لا يمكن لها أن تكون سيدة تخطو في مدرج قصره،وبالتأكيد لن يفاخر بها وهي تركب جواره في عربة ملكية تتهادى!
ماذا بقي له من كل هذا؟
لاشيء يحرص أن يداري الشيب،انحناءة الظهر قاتلة،الليل طويل،النساء في مشفاه حالات مرضية،بصق على نفسه التي انطلقت في سفاهتها،تحقر الحب وتقتل سبله بألف تعلة،لن يضيعها من بين يديه مرة ثانية،ترى أين تقيم،أخذ يعدو خلفها،طاردها مثل غزالة فرت من ليث يقتله الجوع،ثمة رغبة مكبوتة أن يقاوم الموات الذي أصابه،الطب به أدوية تعيد للرجل شبابه،ليعتني بنوازعه ورغباته،أصابته الدهشة،تذكر هذا الشارع،لكم مشى فيه يهيم بأحلامه،ذلك الشباك كان يترصدها حين تشرق مثل شمس من ذهب،لجمال عينيها،ولطلعة وجهها القمر حين يزدهي يوم تمامه.
أحقا هي ؟
علياء تلك الطفلة التى كان عمرها عشر سنوات،يوم أن أحب الأحلام،لكم يغلب القدر بتدبيره!
وأين أحلام؟
أخبروه أنها اعتلت فماتت،كان الخنجر الذي أصابها،وهل يعقل أن تكون علياء هي من ستجلب له الري في زمن الجفاف؟
انتابته حالة من الهذيان،ضربته الوساوس،أخذ يمزق كتبه،ألقى بها إلى الشارع،بعضها أخذه الفران ليكون وقودا لخبز الصغار؛لاشيء بلا نفع!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى