د. علي خليفة - مسرحية "هاملت" للشاعر الإنجليزي وليم شكسبير «1616 – 1564»

تعد مسرحية "هاملت" إحدى روائع المسرح العالمي، وهناك من النقاد من يرونها أفضل مسرحية كتبها شكسبير، بل إن هناك فريقًا من النقاد يرونها أفضل مسرحية كتبت على الإطلاق.
ومسرحية "هاملت" هي أطول مسرحية كتبها شكسبير، والنسخ القديمة منها يبدو كثير منها قد حذف منه المقاطع التي فيها هاملت يقوم بحواراته إلى نفسه كاشفًا عما يختلج فيها من مشاعر، وما يضطرب فيها من صراع، وكذلك يكشف هاملت في هذه المقاطع رؤاه الفكرية التي توصل إليها من خلال نظرته العميقة للحياة.
ومن الواضح أن مسرحية "هاملت" كانت تحذف منها هذه المقاطع التي
لا تؤثر كثيرًا على سير الأحداث بها، وكان الغرض من حذفها اختصار المسرحية التي تبدو طويلة جدًّا.
وتتركز الأحداث في هذه المسرحية عن هاملت أمير الدانمارك، ولكن شكسبير لا يكتفي بذلك في هذه المسرحية، فهو يطلعنا على شخصيات أخرى هي أطراف في الصراع فيها، مثل كلوديوس عم هاملت، وأمه جريترود، وأوفيليا حبيبة هاملت، وأخوها لايرتس، وشخصيات أخرى، ومع ذلك يظل التركيز الأكبر في هذه المسرحية على هاملت.
وتتكون هذه المسرحية من خمسة فصول، وتحتوي هذه الفصول على عدة مشاهد، وفي بداية المسرحية يتزوج كلوديوس عم هاملت من جريترود أم هاملت وزوجة الملك السابق الذي كان اسمه هاملت أيضًا، ويتم هذا الزواج بعد شهرين فقط من موت الملك السابق، وكذلك يتم هذا الزواج بعد أن نُصِّبَ كلوديوس ملكًا للدنمارك.
ولم يكن هاملت متضايقًا لكون عمه قد صار ملكًا للبلاد دونه، ولكنه كان مستاءً من أن أمه تتزوج عمه بعد أبيه، وهو كان يرى أن تبقى بلا زواج بعده، أو على الأقل لا تتزوج بعد موته بهذه السرعة.
ويرى بعض الحرس على سور القلعة شبح الملك السابق هاملت في ملابسه العسكرية، ويطلع هوراشيو صديقه هاملت بهذا الأمر، ويواجه هاملت ذلك الشبح في إحدى الليالي بهذا المكان، ويطلعه الشبح على أنه شبح لأبيه، ويقول له: إنه لم تلدغه أفعى، وتتسبب في موته في حديقة قصره خلال نومه فيها، كما أشيع ذلك عن سبب موته، ويخبره أن أخاه كلوديوس قد وضع في أذنيه سمًّا فتاكًا خلال نومه في حديقة قصره، وأن زوجته كانت شريكة له في هذه المؤامرة، ويطلب الشبح إلى هاملت أن يقتص له، وفي الوقت نفسه يطلب إليه
ألا يقتل أمه، ويتركها لعذاب ضميرها.
ويبدو هاملت بعد هذا الموقف قد عقد العزم على القصاص لوالده، ولكنه ما يلبث أن يتراجع عن الإسراع بالقصاص، فهو يخشى أن يكون الشبح الذي جاءه شيطانًا حاول خداعه، وأغراه بقتل عمه ظلمًا والإساءة لأمه.
ويدعي هاملت الجنون؛ لكي يلاحظ تصرفات الآخرين خلال ادعائه الجنون خاصة أمه وعمه، وفي الوقت نفسه حتى يستطيع أن يتأكد من اشتراكهما في قتل والده.
وينتهز هاملت مجيء فرقة تمثيل للقصر الملكي، فيوحي إلى الممثلين فيها بأداء مشهد يتشابه مع الحالة التي أخبره الشبح أن أباه مات فيها، وحين يمثل الممثلون في هذا المشهد، ويعرضون موت الملك فيه عن طريق السم الذي وضع
في أذنيه يفزع كلوديوس، ويأمر بإنارة المصابيح، وإيقاف العرض، ويتأكد هاملت عند ذلك من أن ما قاله له الشبح كان صحيحًا، فيعزم على قتل عمه.
وبينما هاملت في طريقه لحجرة أمه ليحدثها كما طلبت إليه ذلك يرى عمه في حجرته يصلي، فلا يقتله حتى لا تصعد روحه للسماء وهو في هذا الموقف.
ويكشف هاملت لأمه حقيقته، فيقول لها: إنه يدعي الجنون، وليس مجنونًا، ويعرفها عن طريق اللمز بالجريمة التي شاركت فيها مع عمه في قتل أبيه، ويقول لها: كيف استطعت أن تستسيغي هذا الذي يتشبه بالملوك – وهو يقصد عمه – وتتزوجيه بعد أبي الملك العظيم؟! وتبكي جرترود شاعرة بالألم الشديد، وخلال ذلك يشعر هاملت بحركة خلف ستارة في هذه الحجرة، فيظن أنه كلوديوس، فيهجم عليه بالسيف ويقتله، ويكتشف أنه بولونيوس مستشار الملك ووالد أوفيليا، وكان يتجسس على هاملت ليعرف أسباب جنونه، وكان يظن أن حبه لأوفيليا وحجبها عنه بأوامره هو الذي أدى به لهذا الجنون.
ويدرك كلوديوس أن هاملت صار وجوده خطرًا عليه، ويتأكد من أنه كان يرغب في قتله هو حين قتل بولونيوس، فيرسل هاملت مع شخصين لملك إنجلترا برسالة لأخذ الجزية منه، ويطلب إليه فيها أن يقتل هاملت، ويشك هاملت فيما جاء في هذه الرسالة خلال سفره مع هذين الشخصين، ويتمكن من الحصول على هذه الرسالة وقراءتها، فيتخلص من هذين الشخصين، ويغير محتوى هذه الرسالة، ويحكي لعمه حكاية أخرى من تأليفه يبين فيها كيف مات فيها رفيقاه، ونجا هو وحده.
وتجن أوفيليا بعد أن تعلم بقتل أبيها على يد حبيبها هاملت، وتلقي بنفسها في جدول ماء فتموت، وتدفن في المقابر، وتقام لها طقوس دينية قليلة؛ وذلك لظن القسيسين أنها ماتت منتحرة.
وكان لايرتيس قد علم بقتل أبيه، وجنون أخته أوفيليا، فترك فرنسا، وجاء إلى الدنمارك لينتقم لأبيه، ويفاجأ عند حضوره بانتحار أخته أوفيليا، ويعرفه كلوديوس أن هاملت هو الذي قتل أباه، ويقترح عليه أن يقتله بطريقة
لا تظهر أنه قتله غيلة؛ حتى لا يهيج عليه الشعب الذي يحبه في الدنمارك،
وحتى تظل علاقة كلوديوس بجرترود دون خدش، وهو حريص على ذلك لشدة تعلقه بها.
وتقام مبارزة بالسيف بين هاملت ولايرتيس، بتدبير من كلوديوس،
وقد أعد كلوديوس ولايرتس لهذه المبارزة؛ ليتخلصا من هاملت، فقد وضع لايرتيس سمًّا قاتلاً على نصل سيفه، وجهز كلوديوس كأس عصير فيه سم؛ ليشربه هاملت إن نجا من طعنات لايرتيس.
وقبيل المصارعة يكلم هاملت لايرتيس، ويخبره أنه لم يتعمد قتل أباه، ويأمل أن تكون الصداقة مستمرة بينهما، ويظهر كلوديوس أنه في صف هاملت في هذه المبارزة، وتبدو الملكة سعيدة بها.
ويجرح لايرتيس هاملت في المبارزة، فيهجم عليه هاملت، وَيُسْقط منه السيف، ويأخذه هاملت ويطعنه به، وفي الوقت نفسه تشرب الملكة من الكأس التي بها سم.
ويخبر لايرتيس – وهو يحتضر – هاملت بالمؤامرة التي دبرها مع كلوديوس للقضاء عليه، وتخبر جرترود هاملت – وهي تحتضر – بأنها شربت عصيرًا مسمومًا، فيقتل هاملت كلوديوس بالسيف الذي به سم، ويموت هاملت أيضًا.
ويدخل فورتنبراس ابن ملك النرويج السابق الذي كان يسعى لاستعادة البلاد التي خسرها أبوه الراحل أمام والد هاملت، ويرى الظروف قد تهيأت له دون تدبير منه لحكم الدنمارك نفسها، ويرثي هاملت، ويقول: إنه لو عاش لكان ملكًا عظيمًا.
وهذا هو ملخص سريع عن مسرحية "هاملت" التي لا تتوقف الدراسات عنها، وعن شخصية هاملت فيها، ومنها الدراسات النفسية، فقد راق لفرويد وغيره من علماء النفس أن يبحثوا في شخصية هاملت، كما لو كان شخصًا حيًّا، وتحدثوا عن عقدة نسبت إليه سُميت عقدة هاملت، وهي تتشابه كثيرًا مع عقدة "إلكترا" التي تحب أباها، وفي المقابل تقف موقفًا عدائيًّا من أمها التي شاركت مع عشيقها إيجستوس في قتل أبيها أجاممنون بعد عودته من طروادة ظافرًا.
وهاملت شخص لا يريد أن يقوم بفعل مؤثر قد تكون له عواقب وخيمة حتى يتأكد من صحة ما توصل إليه بخصوص ذلك قبل أن يوجه رد فعله العنيف؛ ولهذا كان متمهلاً جدًّا قبل أن يقوم بقتل كلوديوس، وكان يشعر أحيانًا بأنه مقصر في القيام بدوره في الانتقام لوالده من قاتليه، ولكنه لم يلجأ مع ذلك للفعل السريع، بل كان لنظرته المتأملة للحياة دورها في أن يتريث حتى يتأكد على وجه اليقين من أن عمه وأمه قد قتلا والده.
ونلاحظ هنا أن شخصية هاملت على خلاف شخصية عطيل، فهاملت شخص متأمل مفكر صاحب نظرة عميقة للحياة، وكان من نتيجة ذلك أنه غير مندفع في تصرفاته، في حين كان عطيل شخصًا شكاكًا مندفعًا، ولا توجد لديه ثقة كبيرة في نفسه؛ لكونه أسود، ويعود لأصول زنجية، واستغل إياجو تلك الصفات فيه، وأوهمه أن ديزدمونة زوجته تخونه، وصدقه، وتسرع في قتلها، وعلم براءتها بعد ذلك، فقتل نفسه.
وفي مسرحية "هاملت" نرى شخصًا يَدَّعِي الجنون هو هاملت، ويتسبب بادعائه الجنون وبأفعاله التي قام بها خلال ادعائه الجنون في أن تصاب فتاة بالجنون، وهي أوفيليا حبيبته.
وقد كان لقتل هاملت لوالد أوفيليا خطأ، ولجفائه لها في ذلك الوقت ما دفعها سريعًا للإصابة بالجنون، ثم للانتحار.
والجنون عند شكسبير في مسرحه يكون – في الغالب – تكفيرًا عن أخطاء ارتكبها بعض الشخصيات، كما حدث لليدي ماكبث، وكما حدث للملك لير، ولكن جنون أوفيليا كان مختلفًا، فهي جنت لشدة نقائها، فلم تحتمل أن تعيش في عالم تصدعت قوائمه التي كانت تمسك به، وذلك بموت أبيها بيد هاملت، وإعراض هاملت خلال جنونه عنها.
وهاملت مع قرب نهاية المسرحية يصرح للايرتيس أخي أوفيليا
– وقد اشتبكا عند مقبرتها – أنه أحب أخته أكثر بكثير من حبه هو لها، ولكن هاملت كان تصرفه غريبًا مع أوفيليا بعد ادعائه الجنون، وحتى قبل أن يقتل أباها خطأ، وأغلب الظن أن هاملت عامل أوفيليا بهذا الجفاء؛ لأنه تصور أن كل النساء كأمه يمكن أن يضحين بسهولة بالرجال العظام اللائي أحببنهن، وذلك عندما يلوح لهن آخرون يستطيعون جذبهن إليهم بشباك الخداع.
وقد اعتدنا في بعض تراجيديات شكسبير الكبرى أن نرى بها بعض مشاهد قصيرة فيها قدر من الفكاهة، وكان شكسبير يقصد من ذلك تخفيف التوتر العنيف عن المشاهدين بعرض هذه المشاهد المثيرة للضحك فيها، كما نرى مشهد البواب السكير في مسرحية "ماكبث" عقب قتل ماكبث للملك دنكان، وأيضًا نرى في مسرحية "هاملت" مشهد حفار القبور الذي يتعامل مع جماجم الموتى التي يخرجها من الحفرة التي يحفرها لدفن أوفيليا فيها بسخرية شديدة، تثير الضحك، وتدعو للتأمل في حال الإنسان في الوقت نفسه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى