مناف كاظم محسن - اصابع القدم

تذكر وهو في الحافلة ذاهبٌ إلى عمله انّه لم يَعدّ أصابع قدميه عندما استيقظ من نومه، مثلما اعتاد أن يفعل صباح كل يوم. اضطرب، أحسّ بخوفٍ شديد، والتفت يميناً وشمالاً، ينظر للركاب بتوتر متخيلاً انّهم يراقبون كل حركةٍ يقوم بها ويعرفون كل كلمةٍ يفكّر بها. ومما زاد من خوفه وتوجسه انّه قد نسي اليوم أنْ يَعدّ اصابع قدميه, ذلك بسبب تأخره عن موعد العمل، ربما لو علمت امّه الآن ما حصل له لكررت ما كانت توصيه به كل يوم عندما كان صغيرا:- (لا لا تنسَ يا بني أنْ تَعدّ اصابع قدميك في أول لحظةٍ من استيقاظك، كي تتأكد من أنّ القطة السوداء لم تأكل اصبعاً أو اصبعين. تذكّر دائما انّها تتربص بك وتنتظر اللحظة التي تغفل بها. انني أحذرك، أحذرك). ومنذ أنْ ماتت قبل سنوات لم ينسَ تنفيذ وصيتها كل يوم، الّا صباح هذا اليوم النحس. (تُرى هل نقصوا اصبعاً أم اصبعين، ماذا أفعل الآن؟ يجب أنْ أتأكد). فكّر وأخذته الحيرة لمتاهات مجهولة. لم يعرف كيف يخلص نفسه من هذا الوسواس الذي سيطر عليه، فزرع فيه العزلة عن الآخرين والخوف من أن يضحكوا عليه. نعم سوف يضحكون ويسخرون، ذلك انه لم يستطع الحفاظ على اصابع قدميه. انّ احساسه بالنقص جعله لا يشعر بالهدوء او السكينة. انتفض من مكانه وهزّ رأسه بحركة مضطربة، صاح بصوتٍ مرتفعٍ آمراً السائق أنْ يوقف الحافلة. نزل بسرعة وهو يغضُّ النظرَ عن الآخرين، متصوراً انّهم سوف ينتقدون فعْلته هذه، أكيد. لكنّه تحرك بخطواتٍ سريعةٍ عازماً على أمرٍ ما. لم يعرف الى أين يذهب لكن الحزن جعله مثل طفل صغير يواجه غموض هذا العالم في ليلٍ مظلم. ورغم ذلك أخذه الحماس للبحث عن المكان المناسب. أحسّ بالضياع والتشتت، واجتاحته رغبة عارمة للبكاء, للاختباء في حضن امّه, تخيلها تمسح على رأسه وتقرأ له آية الكرسي بصوتها الشجي الذي يتغلغل في الاعماق. أخيراً وقف وقتا بدا طويلاً جداً أمام مجمع تجاري, متردداً، مما أثار الشّك في حراس الأمن الذين يتابعون تحركات الناس من خلال كاميرات المراقبة. أمرهم رئيسهم أن يراقبوه عن قرب وبحذر شديد جداً.
دخل إلى دورة المياه ما أنْ وجد نفسه لوحده خلع حذائه ثم جوربيه. نظر إلى اصابع قدميه وبسرعة بدأ يعدهم، واحد, اثنين, ثلاثة, أربعة, خمسة, ستة, سبعة, ما ان قال ثمانية حتى انقضوا عليه رجال الأمن. امسكوه، وضعوا فوق رأسه كيساً أسوداً من الكتان ثم اوثقوا يديه خلف ظهره بحبل غليظ. لم يستطع أن يقاومهم ولم يفهم سبب اعتقالهم له. حاول أن يقول شيئا لكنهم زجروه وضربوه بعصا على رأسه فسقط على الارض فاقداً الوعي.

مناف كاظم محسن
العراق - البصرة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى