عبدالرحيم التدلاوي - على هامش مجموعة "قلعة المتاهات" للقاص المغربي سعيد رضواني

تساؤلاتّ:
هل يمكن القول إن الأب في "قلعة الحروف والكلمات" فشل في بناء مدينته الفاضلة لأنه كان مثاليا فانتهى به المطاف إلى الانتحار علي اعتبار ان الانتحار لغة احتجاج ورفض خاصة لما ظهرت طائفة المتعصبين؟ مما يعني ان الحياة ما هي سوى صراع مرير منذ البداية بين الخير بامتداداته والشر بامتداداته؛ وان الشعر هو ملجأنا الاخير ضد القبح...
وهل يمكن القول إن القطار في "قطار لومباري" وهو المكون من مقصورات مترابطة فيما بينها، كما تتداخل شخصياتها بفعل حركيتها وانتقالها من مقصورة إلى أخرى، هو شبيه بقصص المجموعة التي تتداخل وتتراكب وتتقاطع، وبشخصياتها التي تتوالد من رحم بعضها البعض وتعيش وضعا تخييليا تدرك من خلاله فقدانها لحريتها لأنها مرهونة الحرية، تمسكها يد سارد عليم كلي الحضور يتجاوز الخيالية والواقعية على حد سواء؟
القطار حياة تنقلنا بشكل عجيب من الواقعي إلى الخيالي ثم تعيدنا إلى نقطة البدء. وهكذا في دورة جهنمية تخضع الكل وفق إرادتها.
وتشيع في المجموعة رائحة الموت بمعانيه المتعددة؛ الحقيقي والمجازي، المحلوم به والمرغوب فيه والمطلوب والملتبس.
فبالنسبة للواقعي نجد ما وقع قبل السرد وما يقع أثناءه.
بالنسبة للصيغة الأولى تأتي قصة "استدراج" لتحدثنا عن علاقة متوترة بين كاتب قصة واقعي جدا ومجرم تم اعتقاله بسبب قصة من قصص الكاتب الذي ولع بالتفاصيل الدقيقة، فسعى المجرم بناء على تفاصيل تلك القصة، وعبر نقلها من الأدب إلى الواقع، ليستدرج القاصّ للانتقام منه؛ لكنه لم يكن يعلم أن القاص بارع في نسج الفخاخ.
المجرم ارتكب فعل القتل قبل أحداث القصة الحالية.
وكذلك الشأن بالنسبة لقصتي "عجلة الزمن" حيث موت الحبيبة نسمة و"فوارق" التي تتحدث عن موت الزوجة.
وبالنسبة للصيغة الثانية فنجدها في قصة "قلعة الحروف والكلمات" حيث يموت مؤسس المدينة، منتحرا، وتدفن عاصفة رملية ابنه.
في قصة "لحظات ومشاهد" نجد الموت متربصا بالأبوين معا، وهو موت قادم لا محالة، يتم ترقبه بكثير من الألم والمعاناة، من السارد والأبوين.
أما في قصة "ظل الزمن" فنعثر على موت ملتبس، إذ يظل القارئ حائرا بين أن يجزم بموت السارد برصاصة وبين اعتبار ورم جبهته نتيجة قفل بيد ابنه الصغير. فهل مات أم أنه ما زال على قيد الحياة، وذلك سر من أسرار سر الصنعة القصصية التي برع فيها القاص سعيد رضواني.
والالتباس نفسه ينسحب على قصة "التحدي"، فقد ظل سؤال من قتل معلقا حتى النهاية التي تزيد التباسه بقول السارد: مرت سنوات دون أن أعرف هل انتهى الأمر كما خططت له أنا، أم انتهى كما أراده هو.. وإلى حدود هذه اللحظة لا أدري من منا قتل الآخر. ص83.
ولأن السارد هو المتكلم بضميره الذي يعود عليه، فإما أن يكون هو الذي تمكن من غريمه، وبقي على قيد الحياة، وإما أنه هو الذي قُتل، وبالتالي فنحن أمام سرد فانتاستيكي سارده يتكلم من قبره.
في قصة "أغنية الحياة" نجد أنفسنا أمام موت خاص؛ موت معنوي، أو فناء بالتماهي في ما يقوم به المغني الذي يجعل السارد يذوب في المشاهد المرسومة: أرى انفصاله عن الفضاء الذي يغني فيه فأنفصل معه. ص88.
واختم اللحن الجنائزي بهذا المقطع الأخير من قصة "فوارق" الذي يقول فيه السارد:
يقتلعني من بكائي سؤال غامض داهم ذهني وأنا أقارن نفسي بهذه القبور؛ ترى من منا الحي ومن الميت؟ فأشرع، مدفوعا بالرغبة في إيجاد جواب حاسم، في مقارنة نفسي بباقي القبور، مقارنا صمتي بسكينتها، وكآبتي بغموضها، وفراغي بخوائها، فلا أجد فرقا سوى الذي تصنعه العلاقة التي تربط روحي بهذه الجوهرة التي تنام في القبر. ص62.
ظل الموت يحوم بأجنحته السوداء فوق سماء القصص، يصنع نهايات بألوان مختلفة، ويحث على التفكير فيه بحكمة وبعد نظر؛ قد تبلغ درجة اعتبار الشخصيات الورقية شبيهة بموتها الورقي، وممتدة فينا نحن الشخصيات الواقعية، بطرح تساؤل عميق: ألسنا أمواتا نمشي فوق الأرض، أو أن موتنا مكتوب وننتظر ساعة تحققه؟


1651423291573.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى