محمد عبدالعزيز أحمد (محمد ود عزوز) - عن سيدة عرفت في الارض كيف تنجب حقاً

الى محاسن نظيف
" أمي "


عن سيدة عرفت في الارض كيف تنجب حقاً
ثم انجبت
" محاسن نظيف "
أنت يا أمي ، يا نعاس السُمرة ، وخجلها
يا مُحصلة السواد الاعظم من الشقاوة ، والبداوة ، وطين النيل الخصب
يا سيسبانة زمن ما
كان فيه الرجال ، يتصيدون النساء من حلبات الرقص والسهر
وليس من باصات سريعة
كاعترافات الحب
انا ابنك الحائر هنا ، في غُرفة مطلية بالأصفر البارد ، بنوافذ خشبية متهالكة ، تشبه ما عشته قُربك من حيرة
وما عشته في بُعدك ، من تأويل مُبهم لكلمات لم تلفظيها قط
" احبك يا ابني " لم تقوليها قط
ولكن قالها الشاي المعطن برائحة الصباح ، والطُرق الوعرة للأيام ، قالتها الليالي ، والحمى التي اقلقت اصابعك المُسنة ، قالها كوب الحليب الليلي
الذي تلفظه معدتي المكدسة بالكيمياء ، والشتائم المُخبأة في زنزانة الصمت
لقد حرك احدهم شيئا ما داخلي لأكتبك
احدهم ، كان جُنديا حقيرا يا امي
جندي انجبته " أم "
جندي قال لي " ابن شرموطة " وركلني بالهراوة
لقد رج الإناء الذي هو أنا ، صنيعك اللين ، والمُشبع بالطين المحروق
يا ماهرة الايدي في خبز عصيدة الحب ، في لغة تشير الى مدلولها في المعدة
لقد قال شيئا سيئا يا أمي
لأنه لم ير اشجار الهشاب تصطف في وجهكِ يا أمي
لم يسمعكِ تشتميني
شتائمك النبيلة
شتائمك المُشبعة بالقمح ، والقهوة ، وطبعك الريفي
لقد كانت خياراتي
يا أمي
يمكنك أن تُحاولي أن لا تنكسري ، أن تبتسمي بخوف ، وأن تصلي لي
لصباح المنفى ، للنوافذ التي تشي بالحبيبة
والهالات السوداء حول العينين ، تزفني لمحكمة الكحول وإن لم اتعاط ليلاً سوى صورها العالقة
في مشهد تعر يا أمي
اذكر فيها ، تلك الطريقة التي تتأملني بها ، وهي تعبث بشعري المجعد ، وهي تقرأ مخاوفي من قطار الوقت الذي سيدهسنا ، كما تنبأت
ذكراها مرآة بحجم السقف ، تتحطم الى شظايا وتخترقني
مشهدها وهي تخلع فستانها وتقذف به
بينما انا
اتحول لطفل ، يمتص كل ما يسقط عن الحب
يا أمي
لنا بلاد ، لماذا لا نملك ميتات لائقة
ووجوه تحبنا دون فواتير
نملك بلادا يا أمي ، لماذا لا نملك سيارات بيجو ، نتنقل بها بين المُدن ، كمطر مطلوق من وصايا الاتجاهات
نملك بلادا يا أمي
لماذا كلما ثملنا ، سألتنا الطُرق عن اسمائنا ، اسماء عائلتنا ، وهل نحمل في المحفظة صورة مصغرة للرب
اخجل من ان اُسمي الحياة بالجحيم ، يا محاسن يا أمي بالحب والدم والوجعة العبيطة ، انا ابنك الضال ، ذو عظام الصدر البارزة ، اراكِ هنا
انا حجتك امام الرب ذات يوم ، بأنكِ قد حملتِ بالجوع وبالخوف ، وبأطفال لا يأكلون سوى من فتات الحُزن
اريد أن اقول أنه جحيم
لكن عينيكِ يقولان لي ، بلهجة الزاهد في القليل ، بلهجة المؤمن بأن شيئا ما قد يكون
" ادعي ربك يا ابني "
احب فيكِ هذا الايام يا أمي ، احترم فيكِ ربا لم يحترم في صوت الجوع ، والشهوة الفالتة من قبضة الاُذونات ، ألوم فيكِ ربا قال لي:
اقرأ
ثم غشني بزجاجة حبر فارغة
احب فيكِ دفاعاتك الشرسة ، امام كل من قال أنني لم اعد اؤمن ، يبدو لي وكأن مراسلات حميمة بينك والرب
" ضمنت أنني سانجو من هرطقتي ضده "
وأنه قد يغفر لي ، صرختي ضد كل هذا الجوع
هذا المنفى الاختياري ، الذي يبدو لي الآن كمنزل متهالك ، والسماء تمطر منذ عدة سنين
سيتهاوى على رأسي إن لم اخرج يا أمي
سيتهاوى علي الزكام إن خرجت يا أمي
الزكام ، ومسؤولية من نجا ، أن يصف الطريق ، للموتى ، كيف يجدون انفسهم هناك
يا أمي
يا أمي ، ابتسمي لأعرف الى أين ينبغي أن اذهب
احتاج الى ضوء اخر النفق
جميعهم أطفؤوا مصابيحهم وناموا يا أمي
لا اعرف ماذا كتبت لكِ
لكنني حتماً لم اقل شيئا
فقط احتاجُ الى ضوء

عزوز

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى