عبدالرحيم التدلاوي - قراءة قصيرة جدا في رواية "وجوه مائلة" للمبدع هشام ناجح.

تبنت الرواية الواقعية القذرة، لذا، جاءت عنيفة على مستوى اللغة، وعلى مستوى المشاهد الجنسية، و بخمرها وتهتكها، وعلى مستوى الطرح والأفكار التي تحملها الشخصيات وبخاصة حمامو وسي محمد. لكن ذلك لا يعني انها رواية بورنوغرافية أو أنها تتعمد رصد تلك المشاهد بتلك اللغة، بل تقوم بتعرية سلوكات الإنسان، وما تعتري ذاته من رغبات، وما تتحكم فيه من أهواء نتيجة الكبت متعدد المعاني والأبعاد. فمعظم تلك الشخصيات التي تبدو منحرفة ما هي إلا شخصيات مريضة ومنكسرة ومحطمة الروج والجسد كونها قادمة من بلدان فاشلة لم تنجح سوى في حرمان "مواطنيها" من أبسط حقوقهم وجعلهم خاضعين. ولذا، نراهم بالغرب يطلبون العزاء في الشرب والجنس ولا يطلبون سوى الوجود القار والطمأنينة النفسية والروحية والجسدية.
شخصيات لا تنشد غزو الغرب بقضيبها كما حال سعيد بطل موسم الهجرة بل تنشد تلافي حرمانها بإشباعه، لا تريد بطولة، بل ترغب في حياة مستقرة.
كما أن الحرية هي القضية المبحوث عنها في هذا العمل؛ حرية المعتقد والحرية الجنسية والسياسية والثقافية والاجتماعية. لا ترغب في خلق فوضى بطلبها هذا كما يمكن أن يدعي خصومها، بل تنشدها لأنها من مقومات الشخصية السوية لا المعتلة.
صحيح أن كل شخصيات الرواية لها نصيب من المرض النفسي وتختلف أسبابه بين الشرقي والغربي؛ فالشرقي نتيجة الاستبداد، والغربي وبخاصة مونيكا بفعل التمزق وتعدد الانتماء. ثم إن مكان ولادتها وسكن أمها هو عتبة فاصلة بين دولتين، كل واحدة أخذت جزء من هوية الباسك المختلفة عنهما معا.
انفتحت الرواية على مجموعة من الأشكال التعبيرية من مسرح وسينما وموسيقى ورقص وغناء إاضفة إلى استثمار النص المؤسس، والأقوال الشعبية. كل ذلك بلغة ترقى إلى التجريد وبخاصة حين يتم طرح الأسئلة الوجودية حول قضايا وأفكار مصيرية، وأخرى واصفة للشخصيات وللأمكنة، وللمشاهد الساخنة، مع تفعيل اللغة المحكية في المقامات التي تستدعيها بعنفها اللفظي أحيانا.
وهي رواية بوليفونية اعتمدت تعدد الأصوات والساردين، فلم يستحوذ حمامو على دفة الحكي لوحده بل سعى إلى فتح مجال السرد على أصوات أخرى لتقول رؤيتها وتبلغ القارئ اهتماماتها وانشغالاتها، ولتملأ الفجوات الموجودة في حكي السارد الأساس.


1652977249281.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى