ميشيل سعادة - بَينَ قَانَا وَبَيرُوتَ ‏عِبءُ هَذَا الصَّلِيب

قَابِعًا فِي كُوخِيَ الحَقِيرْ
‏فِي قَريَةٍ صَغِيرَهْ
‏مِنَ اللَّهِ قَرِيبَةٌ
‏نَصِيرَهْ
‏أَرَى إِلى لُبنَانَ شَعبًا
‏يَعِيشُ .. يَمُوتْ
‏شَعبًا يَمُوتُ وَلا يَعِيشْ
‏يُفَاجِئٍنِي الرِّيحُ والعَصفُ
‏والرَّعدُ الجَرِيحْ
‏وَسُمُومٌ تَمتَصُّ أَحشَائِي
‏وَلا مَنْ يَهِزُّهُ وَخزُ ضَمِيرْ ..
قَابِعًا فِي كُوخِيَ الحَقِيرْ
‏عَلَى الكَتِفِ تَسَمَّرَ
وَاستَرَاحَ صَلِيبْ
‏مِسمَارٌ فِي اليَدِ اليُمنَى
‏آخَرُ فِي اليُسرَى
‏مِسمَارٌ واحِدٌ يَجمَعُ القَدَمَينِ
مَعًا _
‏وَلا حَرَكَهْ
‏وَهَذَا الخَشَبُ اليَابِسُ
‏يَحتَفِي بِرَأسٍ تَكَلَّلَ بِالشَّوكِ
‏وَانحَنَى فِي وَجهِ شَهَوَاتِهِم
‏يَصُدَّ غَرَائِزَ وَغِوَايَاتْ
قَابِعًا فِي كُوخِيَ الحَقِيرْ
‏أَرَى إِلى بَيرُوتَ مَدِينَةً مَنكُوبَةً
‏تَنَامُ عَلَى انفِجَارْ
‏رَوَّعَ الأَهلَ
‏هَزَّ الشَّوَارِعَ والبُيُوتْ
‏وَاسَتَفَاقَ مِن نَومِهِ الحَمَامُ
وَاليَمَامْ
‏يُهَروِلُ في كُلِّ حَدبٍ وَصَوبْ
‏وَتَدَاعَى الجِدَارُ وَانهَارْ
‏جِدَارًا تِلوَ الجِدَارْ
‏عَلَى أَشلَاءٍ تَمتَصُّ الحِقدَ وَالضَّغِينَهْ
‏وَتعَالَتِ الأَصوَاتُ
‏وَنَوَاحُ الأُمَّهَاتِ الحَزِينَهْ
‏رَأَيتُ إِلى يَدِي
‏في لَحظَةٍ ما _
‏تُمسِكُ الجِدَارْ
‏رَجوَةً بِصَدِّ كُلِّ انتِحَارْ
‏تَدفَعُ السُّوءَ عَنِ الصِّغَارِ
‏عَنِ الكِبَارْ
يَا يَدِي _
‏حَبَّذَا لو فَتَحتِ اللَّيلَ
عَن صُبحٍ
‏لانجَلَى النَّهَارْ
‏عَن هَمٍّ وَغَمٍّ
وَاندِحَارْ !
‏حَبَّذَا لَو كُنتِ سَنَدًا لِي
‏أَحمِلُ العُمرَ عَلَى الكَتِفِ صَلِيبْ
‏فِي جِسمِيَ المَهزُومِ
وَخزُ حَدِيدْ
‏سَمَّرَهُ طَوَاغِيتُ عَبِيدْ
‏فَاتَّسَعَ القَبرُ لأَطفَالٍ
رَسَمُوا الأَحلامَ
‏أَمَلًا بِفِردَوسٍ قَرِيبْ
‏لِكِبَارٍ وَصِغَارٍ
‏مَا ذَنبُهُمُ
‏لَم يَقتَرِفُوا هُمُ
أَيَّ كُفرٍ أَو ذُنُوبْ
‏صَارُوا جَمِيعًا _
‏دُونَ مَأوًى
‏دُونَ ثِيَابْ
‏شَرِيدُهُم يَتبَعُهُ شَرِيدْ
‏فَلا عَودٌ لِرَخَاءٍ ‏بَعدَ عِزٍّ
‏وَلا أَمَلٌ يُرجَى
لِعَينٍ تَمتَهِنُ الغِيَابْ
‏كُلُّهُم ذَهَبُوا
‏مَاتُوا .. ذَهَبُوا دُونَ رُجعَى
‏أَو إِيَابْ
‏وَلا زَالَ الوَحشُ يَستَشرِي
غَضَبًا وَسُخطًا
‏كَاشِفًا عَن أَظَافِرَ وَأَنيَابْ
‏وَلا زِلتُ أَحمِلُ العُمرَ مُنهَكًا
‏مَهمُومًا أُعَانِي
‏مَرَارَةَ هَذَا الزَّمَانِ
‏سَائِلًا مَن حَمَّلَنِي
‏عِبءَ هَذَا الصَّلِيبْ
‏حَبَّذَا لَو جَلَا الهَمَّ والغَمَّ
عَنِّي
‏رَاجِيًا مَريَمَ _
‏أَلا كُفِّي النَّحِيبْ
‏أَنتِ التي فِي قَانَا طَلَبتِ
‏فَاستَجَابَ الإبنُ لكِ
‏عَلَى مَضَضٍ
‏وَكانَ العَجَبُ العَجِيبْ ...
أَينَ أُنتِ
يَا مَريَمُ
‏يَا أُمَّ الجَمِيعْ
‏طَلَبٌ وَاحِدٌ وَرَجَاءْ
‏خَفِّفِي _
‏بِمَا لكِ مِن شَفَاعَهْ
‏عِبْءَ هَذَا الصَّلِيبْ
‏عَمِّدِي الكَونَ بِشِعرٍ
‏بِقَصِيدٍ مَهِيبْ
للمَرأَةِ دُنيَا غَيرُ دُنيَانَا
‏لَهَا وَحدَهَا _
‏يُستَجَابُ لِعَاشِقٍ حَبِيبْ ..
ميشال سعادة
‏مَسا الإثنين 23/5/2022

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى