خالد جهاد - فسحة سماوية

عندما نذهب إلى الطبيب يحتاج أحياناً إلى بعض الفحوصات الطبية لتساعده على تشخيص ما لا تراه العين مثل الأشعة، لكن الفنان الحقيقي يمتلك بداخله شعاعاً يفتح بصيرته قبل بصره، فيرى العالم بكل ما فيه من خلال قلبه الذي يرى الأشياء بتجردٍ وواقعية مع وجود الحس الشاعري الذي يعطيها بعداً أكثر إنسانية ً وجمالاً ليلطف جمود بعض مايراه، فيستخرج منها كنوزاً مثل آبار المياه الجوفية التي تستوطن باطن الأرض، ليعيد صياغتها وتقديمها بشكل ٍ تتوق له النفس، وتحتاجه مثل الهواء الذي يجدد ركود الأحاسيس فينا بفعل ضغوط الحياة اليومية، ويجعلنا أكثر قدرة على تحملها فيرتبها وينقيها ويجعلها أكثر سلاماً ورضاً وروحانية..

ترى كل ما في الحياة كنعمة مهما كانت صغيرةً أو بسيطة، ليجعلها تتوحد مع سر وجودها ومع كل الكائنات وحتى الجمادات، فيكتشف فيها حياةً موازية وممالك عظيمة أخرى لا تفتح أبوابها إلا لمن صفت نفسه وسمت روحه عن الصغائر والأحقاد والغيرة والتمييز والأنانية والنفاق، ليتحول من مجرد عابر سبيل على هذه الأرض إلى شاهدٍ على فرادتها ومحبٍ لغرابتها ومؤمنٍ صادق ٍ يرى الكون بداخله ويرى نفسه في قلبه كمعجزةٍ بكل تفاصيلها الدقيقة، فيصادق الطرقات، يحاور الأشجار، يلاطف الحيوانات، يعانق البيوت والأماكن، يصافح المقاعد، يتصالح مع الساعات، يهمس للسماء ويستمع إلى الصمت فيتحول كل ما فيه إلى فعل صلاةٍ مستمرة ومناجاة ٍ لا تنقطع..

يرى روح كل شيء فيحيي من يألفه، يحايد ما يجهله، يبدأ رحلته من قلبه في محيط الكون، زاده محبته والمعرفة زورقه.. فاللونان الأبيض والأسود ليسا فقط أساس الألوان والأشياء والأكوان، بل هما أساس كل المشاعر أيضاً، وهما دليلنا في رحلتنا على الأرض إلى فسحةٍ سماوية تحلق فيها الروح بأجنحةٍ لا مرئية..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى