محمد السلاموني - الحب والرواية والموت:

[كانت "هيرا" تعزف آلام هذا البيت...
أما ذلك البيانو الصدئ، فهو النَّفق الذى خرجنا جميعا منه .]

ليس بإمكانى أن أحيا فارغا من امرأة ...
نعم، وعادة ما كنت ممتلئا بقصيدة مختبئة هناك فى البريق الذى يسقط منهن... بينما نمشى برفق فوق العشب، كى لا تصحو الأشجار من أحلامها بأن تصير طيورا...
أحببت كثيرا، نعم... حتى أن قلبى انفجر بهن.
ومع ذلك، يبدو لى الآن، بعد أن تجاوزت الستين، أننى لم أحب إحداهن أبدا !...
ولازلت إلى الآن أغنى فى العلن لامرأة لا أعرفها؛ أحببتها فى الخفاء...
ما من فتاة أو امرأة التقيت بها إلاَّ وكانت تخبِّئ تحت تدييها أكثر من رجل...
لذا تحتَّم علىَّ أن أحفر وأظل أحفر، كل هؤلاء الرجال، كى أصل إليها، إلىَّ...
ـــ لعلنى كنت أصل متأخرا، نعم، لعلنى اعتدت الوصول إلى اللاوصول...
أيكون هذا "اللاوصول" هو منبع المعاناة التى يتدفق منها الشِّعر؟...
ربما، ربما...
لكننى تعبت...
يا إلهى!...أعلىَّ أن تتقطَّع أنفاسى، فى كل مرة، كى أصل إلى بقايا امرأة؟!...
أفى تلك البقايا يقيم البريق؟
ولماذا علىَّ أن أكتب البريق؟
وأين أنا "أنا نفسى" من هذا البريق الذى يلتمع به الشِّعر؟.
// يبدو لى أن المرأة مستوطنة لرجال لا حصر لهم... أو أنها سِجِل هائل لرجال مَرُّوا إلى آخرهم الأخير... مَرُّوا، تاركين أشباحهم تدق على قلبها، بينما أرقص فى موتى، كأنما
أغتسِل من حياتى كلها قبل أن أتوارى فى الكفن الذى أعَدَّته لى .
// الآن ضاق بى الشِّعر، ضاق...
ربما لأننى مِتُّ أكثر مما يجب، ولم يتبق لى من نفسى سوى حفنة من تراب اللغة...
لذا تحوَّلت إلى "الرواية"...
يبدو أن الرجال يبدأون بالشِّعر، عادة ما يبدأون بالشِّعر، وحين تتكون لديهم حكايات عن موتهم، حين يصيرون أشباحا، يتحولون إلى الرواية.
نعم، لقد انتَقَلَت "الحِكمَة" من الشِّعر والمسرح إلى الرواية... فالفكر يُفسِد الشِّعر "يجَفِّفه"، ويفسد المسرح "يؤدلجه"، أما الرواية فصحيفة وفَيات حداثية؛ تتسع للنفايات البشرية...
// فى الرواية تنفتح المرأة على جنونها كماكينة للقتل الكونى، وينغلق الرجل على شبحه كملاذ أخير...
ــــــــــــ بيد أننى أكتب الرواية كمراثى أو كعزاءات لنا نحن الرجال، أكتب الرواية كتأريخ لموتنا- لموتنا بما هو معرفة تقطر وَهما...
///// ربما كانت الروايات التى نكتبها مجرد شواهد قبور لجثثنا المبعثرة فى أتربة اللغة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى