محمد محمود غدية - فضاءات

ثمة غصة موغلة فى الداخل لم تستطع كسر أغلال الوحدة، يرى الناس ويرونه من خلال حواجز زجاجية، المسافات تقوده إلى بساتين المواجع وحقول التعب، ماأبشع أن تخلو الحياة من غصن رطيب وزهرة يانعة، وماأقسى الخضرة حين تتحول إلى أوراق يابسة صفراء تكنسها رياح الأيام، ترك بعض أحلامه فى محطات السفر وقليل من الجنون على نوافذ القطارات، طحنته الغربة وقذفت به فوق مقعد قديم متهالك مثله، فى مقهى رسمت على جدرانه خرائط للبؤس، يتأمل الشوارع والناس، أشياء كثيرة تبدلت، أسماء المحلات لافتات النيون والإعلانات المتحركة حتى الناس فى تدافعهم كأنهم فى مارثون، السيارات فارهة من أغلى الماركات وجوارها تمرق عربات الكارو،
فانتاريا من التناقضات حتى المقاهى تحولت إلى كافيهات تقدم الكابتشينو والإسبرسو
وغيره، إلا مقهاه إحتفظ بقدمه ورواده إرتشف قهوته على مهل، وراح يحدق فى اللاشئ قفزت أمامه صورة إبنة الجيران التى أحبها وأحبته كيف تبدو الآن ؟
ربع قرن أسير الوحدة والغياب، لديه فيض من الذكريات وحب لم ينقطع، روحه تهفو إليها هل شوقها يماثل شوقه ؟
سافر ليحقق حلم الزواج، واتفق ومحبوبته على الإنتظار،
وهى التى لم تكن تملك رفاهية الإنتظار مثله،
يحلم ولابد له من رؤيتها، الشوارع والحوارى والأذقة تبدلت، يسأل عن أصحاب البيت القديم بين دهشة البعض وسخرية آخرين،
إجتاحه البرد والصقيع والوقت ربيع، شحت عواطف الناس والأهل والأصدقاء، أحلامه باتت رمادية، فى حدقتيه آسى عميق وفى سمعه زنابير لاتهدأ، فى فمه ملوحة الوحدة
وطعم الرماد والغياب .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى