عصام الدين محمد أحمد - كان صعيدياً

يدٌق محمد الباب بوهن، أميز طرقه الضعيف، تطول وقفته على العتبة، أفتح الباب، تيار الهواء البارد ينزفزني.. أسأله في لهوجة غير المُصدق :
ما بك ؟ ؟
يرتعب .. جسده يشُر دماً، يخشى العقاب فلا يتوجع، أضمد الجروح .. أتريث، يبدل ملابسه المُبقعة .. أفكر ملياً .. أدع القراءة، وعلى طابلية العشاء أروي :
( أحرس عروش الطماطم، المغرب على الأبواب.
لا أحد يأتي، أتناسوا غروبي ؟ !
أحياناً يسرقهُم الوقت فلا يشعرون بالغائب أياً ما كان سنه، ربما أثِروا الراحة من دوشته ؟ !
ولكن ما فائدة التنجيم الآن ؟ !
فالليل يحمل في أحشائه الفزع. أخاف الركون في السباتة، ثـُعبان وعقرب وفأر وقائمة طويلة من نواب عزرائيل يتربصون بي، أترجل إلى حافة الجسر، الأرض مُتشققة تترقب انسلال المياه الشحيحة، تنغرس قدماي في الفـُرجات، تتهدم حواف الشقوق، أنثني محاولاً تخليص قدمي اليُسرى من الانحشار .
شيء ثقيل يسقُط، يرتطم، يدويأابتعد، تنخدش قدماي، أرتج، أتقارب، إنه تماماً كالنسر المصور في كتاب المُطالعة .
قال لنا المُدرس: إنه جارح ... يزدرد طفلاً صغيراً ولا يبقى منه شيئاً، أدور حول نفسي؟ ؟ أخشول كضروس آلة خربانة أصابها عطب الإهمال، أنثره بالطمي الجاف، أطرده: هش .. هش، ( غور ) لا يتحرك، يتململ ولكنه لا يتزحزح.. أثبت، رغبات الطفولة تكبلني بالشجاعة والإقدام، تتكثف الأغبرة، ترسمها الرياح المُفاجئة دوامات، أدعك عيني الرمضاء، تتحرك قدماي في عفوية،ألامس جناحه الأيسر ؛ عملاق وناعم... الدماء تكسى نتوءه من الجسد المهدود ) .
فرغت الصحون، أسكت عن الكلام، أنصت إلى رنين زوجتي :
في عين أبيك ...
في عين أمك ..
في عين كُل من شافك ولم يصل على النبي ..
تدع عروس الورق لتغرف الطعام .. يستعجل الأولاد الطبيخ، صوتها يأتينا من وراء الجُدران :
حاضر .. بطونكم فيها حوت .
تسبقها رائحة الباذنجان والثوم والفول المدمس، تقعد، تلتقط الوليد من القاع، تمتد اللقم إلى الأطباق، محمد يزهد الطعام كعادته، أزجره ... يشُدني الحكي من مُلاحقة الطعام :
( خبلتني الحيرة :
ماذا أفعل ؟ ؟ !
لو هز جناحيه لأصابتك الكدمات !
لا تكُن كأطفال البندر !
أخرج المنديل من سيالتي، أعلقه بطرف عود الحطب، ترجفه يداي، يقع العود، ألقفه أنفض المنديل .. أمسح بعض الدم السائب، لن يفيد ما أفعل !!
أملأ الصفيحة بمياه المسرب، وقبل أن أستوي على الحافة، أنزلق في قلبه . )
مُسحناً طبق الفول، أستعجل المدد، تتأخر، لا أستشيط غضباً، فقد غزل التعود علاقتنا بالهدوء، تعلن، وبوادر تذمر تطفو :
آخر شوية فول .
مازال الوليد يشغلها، تتعالى زفراتها :
عين الحسود فيها عود ..
حصنتك باسم الله ....
أكمل يا بابا .
( أمسك بالهيش، لا ينقذني إلا قحف جاف وإرادة مذعورة، أحمل الصفيحة مُقترباً من النسر، أغطس المنديل المٌقطع من جلباب أب المُتكهن، أعصره نصف عصر أكشط بعض الدماء المُتجلطة، أتجرأ مردداً قول أبي : العمر واحد .
أتحسس الجرح الغائر ) .
أتت الأفواه على العيش، فرغ المقطف إلا من رغيف، دهنت وجه الوليد بالرماد، تتلعثم :
يا بحر البحور خُذ الحسد و ( غور )
أسترسل والآذان صاغية :
( أعود إلى السباتة، في جميع الاتجاهات أوهام ولكنها مُخيفة، أبحث عن المسلة وبكرة الدوبار، ألطم الخيط بشق المسلة، الجرح العميق توارى، العرق الغزير أغرقني، يهز رأسه كلما أنسل الخيط في اللحم المشروم .)
حفيف الهدهدة يتناغم :
عين الحسود فيها دود.
تمت بحمد الله
عصام الدين محمد أحمد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى