د. علي خليفة - مسرحية ميديا للشاعر الإغريقي يوربيديس "480 ق.م – 406ق.م"

تعد مسرحية "ميديا" ليوربيديس أشهر مآسي يوربيديس، وهي من أهم التراجيديات اليونانية القديمة، ومع أنها لم يعبأ بها كثيرًا في أول مرة عرضت فيها لكنها حظيت باهتمام الناس بعد ذلك.
وهذه التراجيديا تصور أشد أنواع الفواجع في المسرح اليوناني القديم، ففيها تقوم ميديا بالانتقام من زوجها الذي خانها بتخليه عنها وزواجه من غيرها بقتلها زوجته الجديدة ووالدها وولديها – أي ولدي ميديا من زوجها يسون –.
وكعادة يوربيديس في مسرحياته فهو يجعل بداياتها بظهور إحدى شخصياتها تلخص ما مر من أحداث مهمة لا بد أن يتعرف عليها المشاهد؛ ليمكنه متابعة أحداث المسرحية، فتقص وصيفة ميديا بعض الأحداث السابقة، وتقول: إن ميديا وقفت مع زوجها يسون كثيرًا، ثم خانها بأن تزوج عليها ابنة ملك كورنته، وهنا امتلأت غضبًا، وشعرت أنها خسرت كل شيء، فقد عادت أباها وأسرتها من أجل حبيبها يسون، بل لقد قتلت أخاها ومزقته قطعًا؛ لتعطل أباها بجمع جثة ابنه عن ملاحقتها وحبيبها يسون في البحر.
وبعد كل هذه التضحيات بمجرد أن استقرا على أرض كورنته مع طفليهما وعرض كريون ملك كورنته على يسون زواجه من ابنته وأن يكون ولي العرش من بعده – وافق، ونسي خدمات ميديا وتضحياتها من أجله.
ثم نرى ميديا غاضبة تكلم نفسها عن ألمها لخيانة زوجها يسون بتخليه عنها، وزواجه من ابنة كريون.
ويخشى كريون من مكر ميديا وسحرها، فيذهب إليها في بيتها، ويأمرها بمغادرة كورنته في الحال؛ لأنه لا يأمن جانبها، وتستطيع أن تقنعه بأن يستبقيها حتى فجر الغد؛ لكي ترتب حاجاتها التي ستحملها معها، ويوافق على هذا، ويخرج كريون من المسرح، وتتحدث خادمات ميديا عن حالة الغضب الشديدة التي تبدو عليها، ويعبرن عن خوفهن من أن ينفجر غضبها، ويصيب ابنيها؛ لأنها تنظر إليهما بغضب شديد.
ثم يأتي لها أمام بيتها يسون، ويقول لها: إنه لم يخطئ في حقها، فهو تزوج من ابنة كريون؛ ليكون لولديه منها أشقاء من الملوك بعد ذلك، ويقول لها أيضا: إن كثرة تهديداتها هي التي جعلت الملك كريون يخشاها، ويأمر بطردها من بلاده، وأخيرًا يسألها إن كانت في حاجة للمال خلال رحيلها من هذه البلاد مع ولديه لبلاد أخرى، وترد على كلامه بعنف، وتتوعده بالانتقام.
وذهب ولداها لابنة كريون بتوجيهها، وقدما لها هدية ثوبًا جميلاً وتاجًا، وحين لبست الثوب، ووضعت التاج على رأسها نفذ السم الذي بهما لجسدها، فأصابها شحوب وآلام انتهت بموتها، وحين رآها أبوها الشيخ هكذا غضب وتألم، وحاول نزع الثوب منها، ولكنه أصابه السم الذي به، ومات كذلك.
ثم قتلت ميديا ابنيها انتقامًا من زوجها؛ كي لا يبقى له أحد يعيش من أجله، فتتحول حياته لعذاب، وحين يعرف يسون منها أنها قتلت ولديها انتقامًا منه يتوجع وينتحب، ولا تسمح له بأن يواري جثتيهما التراب، وتحملهما على عربتها التي يجرها التنين والأفاعي بقدراتها السحرية، ثم تطير بها العربة، وتخرج من هذه البلاد.
وعلى الرغم من أننا نرى ميديا تتردد في قتل ابنيها وتخشى أن تقوم بهذا الفعل لكنها بعد أن قتلت ولديها نراها ثابتة، ولم يعترها الندم، وقد كان المبرر لها لقتلها إياهما أن يعيش زوجها يسون ما بقي من حياته نادمًا مستشعرًا الوحدة والأسى.
وبالطبع لا أحد يستسيغ قتل ميديا لولديها انتقامًا من زوجها الذي خانها، ولكن يوربيديس وضع دوافع لها يمكن أن تبرر دراميًّا فعلتها هذه الشنيعة، منها أنها كانت امرأة حين تغضب لا ترى أمامها إلا الرغبة في الانتقام بأي وسيلة، وكانت تستشعر أنها تخلت عن العالم كله من أجل زوجها يسون، فلما خانها هان عليها العالم كله بما في ذلك ولداها، وأرادت أن تفسد عليه كل ما يجعله يشعر بالسعادة في حياته، فقتلت زوجته الجديدة وولديها، وثانيًا: أنها كان لها سوابق في قتل بعض المقربين منها، كقتلها أخاها، فهي ليست كسائر النساء، بل لها طبيعة غضوبة شديدة الانتقام، ويضاف لهذا أنها ساحرة ذات طبيعة مختلفة عن البشر، ومع ذلك فقد قلنا: إن يوربيديس أظهرها مترددة في قتل ولديها قبل قتلها إياهما.
ولا شك أن يوربيديس هو أهم كاتب مسرح يوناني قديم صور النساء مع اختلاف طبائعهن في مسرحه، وفي هذه المسرحية نرى بعض العبارات تتردد على لسان بعض الشخصيات بها خاصة ميديا نرى فيها وصفًا لطبيعة المرأة الغضوبة حين تنتقم ممن أساء إليها.
وموضوع الانتقام الرهيب وطبيعة شخصية ميديا في هذه المسرحية جعلا بعض كتاب المسرح يعارضون هذه المسرحية، كسينكا الروماني، وجان أنوي في العصر الحديث.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى