يتدحرج حجر من سطح دار القرشي، تقرع العصى صفيحة ، ينهق حمار ،يثغو حمل ، ينبح كلب ، يصرخ رضيع ، تخور جاموسة ،يصيح ديك فى غير ميعاد الصلاة،تموء قطة ، يزيط العيال:
بيو.. بيو
تكر الأصوات وتفر .
العجوز تسوطه النبرات ،يغتاظ،ينفخ ،ينفر ،يهيل طوب (الجحريدة) على خيالات العيال.
توجعه الصيحات ،يدور حول رسمه ،يستكشف الأبواق المتنمرة ،الأولاد فى مخابئهم يتحفزون ،تنقله يثير زوابع الرمال والأتربة ،وسيل من الزلط يطارده.
أعبر شارع النحيفية ،أتلفت خوفاَ من الكلاب المسعورة ،يلخمنى التوجس ،أصطدم بالجسد الصخري، يقبض على ياقة قميصي من قفاي،يرجف قلبى ،ينز جسدى عرقاَ ورعباَ ،تتسمر عيناي على تجاعيد مسنونة الحواف ،عيناه تطقان شرراَ، أتوسل فى صمت ليدعني ،تغطي ريالته ذقنه ،يتحشرج صوتي :
يا عم الحاج أنا ........
صفعة قوية تلحد حروفي، وثانية تهدني ،وثالثة تطلق رفاتي من يده .
أجري ،يتقوقع مطرحه ،موجات الأصوات تنرفزه ،يتوعد الجميع بالقتل ، أطوي الأرض ،الأولاد يتضاحكون، يتعالى صخبهم ،تعرقل قدمي اليمنى اليسرى ،تبطحني شقفة من الصوان ،أنهض بسرعة تفوق كل السرعات،ألهث ،تتبدل الأرض ثعباناَ مهولاَ يبتلع كل الأشياء،فأجري في شتى الإتجاهات،حتى لا يعتصرني في بطنه الهصورة.
لقفنى أبي أمام الدار ،عقد ما بين حاجبيه ، مسح دمائي بتؤدة وصرامة ، لم يركلني بالأسئلة ،ربت على كتفي الموجوع ،أكتم آلامي ، ينطق:
من الذي ضربك ؟
أتذكر البكاء ،يمهلني فترة ،يخفت نحيبي ،يعاود السؤال :
من الضارب ؟
أرد بحروف موتورة :
الشيخ سيد .
وكيف أمسك بك ؟
أصمت ، أتألم بآهات مكبوتة ، تخذلني الكلمات ،أتشنج ، أتحسس آثار يده الغائرة ،يحكي وعلامات الأسى والحيرة تتخلل صوته الرخيم :
{ زين الشباب كان ؛ جمال وفتوة ، رزقه فى الأسواق ؛يمشي معرش ؛ شال كشمير وجلباب جوخ ، أمل كل بنات القرية ،عايق ودمه خفيف ، لا يعود من الأسواق إلا فى أنصاف الليالي ،وفى ليلة شتاء وأثناء مروره على القنطرة، لا يسمع إلا خرير الزواريق ،ولم ير إلا شقاوة القطط ،وقف ،فجأة تحولت القطة البيضاء إلى عروس جميلة كفلقة القمر ،قبلته قبلة طويلة،تبدل حاله،تارة يقطع القرية عدوا مسابقا نفسه،يرفع يديه علامة النصر،ينثر القبلات في الأجواء،وتارة يقطي نهاره صارخا باكيا،تنهمر الدموع كالسيل،وتارة يضحك في صخب،يقهقه،يتهاوى على الأؤض،يتمرغ بالأتربة كالحمار الأجرب،أضحت سيرته حديث الناس الأوحد،وسرعان ما تبدل الحال وصار نسيا منسيا.}
يضمني ،أغادره إلى حيثما أتيت وفى يدى حفنة زلط ،ينده علي ،لا أعيره أذني ،أقابل العجوز ، لا أجرؤ على رميه بالطوب ،أنحرف مبتعداَ ،يشده أبي بقوة ،يقعده جواره ،يبادر أبي بالقول :
أمسكت بشيطان وضربته .
يسأل أبي كاظماَ غيظه :
ماذا فعل لك ؟
ينكمش فى هدومه ،تتعارك الأجوبة فى مخيلته ، يقول بصوت رائق :
سرق فلوسي وباع أرضي لغريمي .
يسخر أبي :
لا يعرفك .
يقضم الكلمات :
بل تربى فى بيتي ؛أذاع جنوني ، سبك الحكايات ونهبني ؛صار معلماَ كبيراَ فى سوق روض الفرج ،يسلط علي المباحث ؛ لترسل لى العفاريت ؛يطاردونني فى الصباح والمساء .
يصر أبي :
ليس هو .
يدعك جبهته المتسخة ، يقطع بكلماته قرص الصمت :
بل هم ــ كلهم ــ هو .
لم تتزوج بعد!
جميعكم لا يعلم شيئا!
أتلصص محاذياَ المصطبة ،يلمحني ، ينتفض وبيده نصف قالب طوب .
أصيح بأعلى ما قي صوتي:
بيو بيو
يتخبط،تمسه الكهرباء،يزن نافوخه،يحاول أبي السيطرة عليه،لا يقدر،فجسده عفي،يتكاثر الأولاد،تتعالى الصرخات:
بيو بيو
يسقط مغشيا عليه،يحمله أبي بمساعدة بعض الرجال لداره الواسعة،يضعونه فوق سريره الجريدي،يتعالى نحيب أنثى،لا يفكرون إلا في الفرار
عصام الدين محمد أحمد
بيو.. بيو
تكر الأصوات وتفر .
العجوز تسوطه النبرات ،يغتاظ،ينفخ ،ينفر ،يهيل طوب (الجحريدة) على خيالات العيال.
توجعه الصيحات ،يدور حول رسمه ،يستكشف الأبواق المتنمرة ،الأولاد فى مخابئهم يتحفزون ،تنقله يثير زوابع الرمال والأتربة ،وسيل من الزلط يطارده.
أعبر شارع النحيفية ،أتلفت خوفاَ من الكلاب المسعورة ،يلخمنى التوجس ،أصطدم بالجسد الصخري، يقبض على ياقة قميصي من قفاي،يرجف قلبى ،ينز جسدى عرقاَ ورعباَ ،تتسمر عيناي على تجاعيد مسنونة الحواف ،عيناه تطقان شرراَ، أتوسل فى صمت ليدعني ،تغطي ريالته ذقنه ،يتحشرج صوتي :
يا عم الحاج أنا ........
صفعة قوية تلحد حروفي، وثانية تهدني ،وثالثة تطلق رفاتي من يده .
أجري ،يتقوقع مطرحه ،موجات الأصوات تنرفزه ،يتوعد الجميع بالقتل ، أطوي الأرض ،الأولاد يتضاحكون، يتعالى صخبهم ،تعرقل قدمي اليمنى اليسرى ،تبطحني شقفة من الصوان ،أنهض بسرعة تفوق كل السرعات،ألهث ،تتبدل الأرض ثعباناَ مهولاَ يبتلع كل الأشياء،فأجري في شتى الإتجاهات،حتى لا يعتصرني في بطنه الهصورة.
لقفنى أبي أمام الدار ،عقد ما بين حاجبيه ، مسح دمائي بتؤدة وصرامة ، لم يركلني بالأسئلة ،ربت على كتفي الموجوع ،أكتم آلامي ، ينطق:
من الذي ضربك ؟
أتذكر البكاء ،يمهلني فترة ،يخفت نحيبي ،يعاود السؤال :
من الضارب ؟
أرد بحروف موتورة :
الشيخ سيد .
وكيف أمسك بك ؟
أصمت ، أتألم بآهات مكبوتة ، تخذلني الكلمات ،أتشنج ، أتحسس آثار يده الغائرة ،يحكي وعلامات الأسى والحيرة تتخلل صوته الرخيم :
{ زين الشباب كان ؛ جمال وفتوة ، رزقه فى الأسواق ؛يمشي معرش ؛ شال كشمير وجلباب جوخ ، أمل كل بنات القرية ،عايق ودمه خفيف ، لا يعود من الأسواق إلا فى أنصاف الليالي ،وفى ليلة شتاء وأثناء مروره على القنطرة، لا يسمع إلا خرير الزواريق ،ولم ير إلا شقاوة القطط ،وقف ،فجأة تحولت القطة البيضاء إلى عروس جميلة كفلقة القمر ،قبلته قبلة طويلة،تبدل حاله،تارة يقطع القرية عدوا مسابقا نفسه،يرفع يديه علامة النصر،ينثر القبلات في الأجواء،وتارة يقطي نهاره صارخا باكيا،تنهمر الدموع كالسيل،وتارة يضحك في صخب،يقهقه،يتهاوى على الأؤض،يتمرغ بالأتربة كالحمار الأجرب،أضحت سيرته حديث الناس الأوحد،وسرعان ما تبدل الحال وصار نسيا منسيا.}
يضمني ،أغادره إلى حيثما أتيت وفى يدى حفنة زلط ،ينده علي ،لا أعيره أذني ،أقابل العجوز ، لا أجرؤ على رميه بالطوب ،أنحرف مبتعداَ ،يشده أبي بقوة ،يقعده جواره ،يبادر أبي بالقول :
أمسكت بشيطان وضربته .
يسأل أبي كاظماَ غيظه :
ماذا فعل لك ؟
ينكمش فى هدومه ،تتعارك الأجوبة فى مخيلته ، يقول بصوت رائق :
سرق فلوسي وباع أرضي لغريمي .
يسخر أبي :
لا يعرفك .
يقضم الكلمات :
بل تربى فى بيتي ؛أذاع جنوني ، سبك الحكايات ونهبني ؛صار معلماَ كبيراَ فى سوق روض الفرج ،يسلط علي المباحث ؛ لترسل لى العفاريت ؛يطاردونني فى الصباح والمساء .
يصر أبي :
ليس هو .
يدعك جبهته المتسخة ، يقطع بكلماته قرص الصمت :
بل هم ــ كلهم ــ هو .
لم تتزوج بعد!
جميعكم لا يعلم شيئا!
أتلصص محاذياَ المصطبة ،يلمحني ، ينتفض وبيده نصف قالب طوب .
أصيح بأعلى ما قي صوتي:
بيو بيو
يتخبط،تمسه الكهرباء،يزن نافوخه،يحاول أبي السيطرة عليه،لا يقدر،فجسده عفي،يتكاثر الأولاد،تتعالى الصرخات:
بيو بيو
يسقط مغشيا عليه،يحمله أبي بمساعدة بعض الرجال لداره الواسعة،يضعونه فوق سريره الجريدي،يتعالى نحيب أنثى،لا يفكرون إلا في الفرار
عصام الدين محمد أحمد