محمد محمود غدية - صافرة القطار

الأقدار فى كثير من الأحيان تعيد ترتيب الأمور دون رغبة منا، لا يغيب عن ذاكرته ذلك اليوم الممطر فى شتاء برد قارس ينخر العظم، الحدائق موحلة بفعل المطر والأشجار عارية من الثمر، والشمس توارت خلف البيوت الرمادية البعيدة، تطارده ملامحها وكلماتها التى تقطر شهدا، تسير بتمهل فى بهو روحه، الحياة دون حب موت، وحده والمطر فى منتصف اليأس، الريح شديدة تهزه فى عنف، يدخل فى عتمات متحركة لا يدرى أين يذهب ؟
عيونه تمسح اللاشئ، وأقدامه تمشى فى اللامكان،
البداية حين أفسحت له مكانا جوارها فى القطار، بعدها دارت ماكينة الكلام والثرثرة، أحبها وأحبته وأفسح لها مكانا فى قلبه،
وقالت : سنلتقى غدا فى القطار ولم تأتى، كل الأماكن دونها موحشة،
أصبح من طول إنتظاره لإمرأة لا تأتى خبيرا فى صافرات القطارات، وفى كثير لا يغادر المحطات، عله يراها، تتبعه الأمكنة ومواكب الليل،
آى قسوة تجعل العازف يمسك بقوس منزوع الوتر، ويعزف بأوتار قلبه الموجوع، ورسائل عشق تخطئ أصحابها الجوعى لكلمة حب، عطرها يخترق كل مايلقاه ويصرعه،
يفتح نوافذ الشمس كل صباح، فلا يرى غير العتمة، كيف صدق فى الحكايات موت العصافير والأغنيات؟
لم تكن إمرأة فقط، بل إمرأة هى الدنيا، تفر من فمه الكلمات كالغزلان المذعورة وهو يسأل عنها ويمشط كل الأرصفة وقدمه موغلة فى الأصفاد، فى رحلة بحث عن إمرأة لا تأتى .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى