اعتاد الناس في كفرنا النسيان؛ يتعاطونه مخدرا من آلامهم وفي أحيان كثيرة يرونه شفاء لهم، يموت أحدهم فيلقون به في زاوية معتمة.
فيما مضى كانوا يقيمون مناحات لاتنتهي، بدأوا لكثرة الموتى يتجاهلون تلك العادة، يكتفون ببضعة دموع ثم يتقاسمون أوجاعهم أو يعاودون أفراحهم حدث هذا مرات عديدة.
غير أنها تظل تردد حكاياتها؛ حتى بت أتساءل هل تخاف عليها من يلتهمها فأر مأرب؛ فيتملكنا الضياع في بلاد الله؟
لقد أورثتني ذلك الوشي المطرز تقصه كل ليلة؛ تحتفي دائما بما تركه الراحلون إلى العالم الآخر؛ ينتظر الصغار الحلوى والمعلبات، ما عادوا يحفلون بذلك الماضي؛ يرونه خرافات؛ ينتابها الحزن كل آونة؛ من يا ترى سيحكي لكم من بعدي عن الغجر يسرقون الكحل من العيون؛ تدير حكمتها ومن ثم تهز برأسها،
توصيني أن أحكي تخشى الزمن وقد جرى أمام عينيها؛ وجهها به تعرجات أشبه بسطور في كتاب الحكمة الأزلي؛ تطعمني بيديها وتحكي نتفا مما اختزنته ذاكرتها؛ تظل الأمهات نبع الحرف الأول؛ يرددنه على مسامع الصغار؛ فاجأتني بسؤال عن ذلك الغريب الذي أخبرتها به جدتي حين كانت تنام في حجرها؛ هل تعرف يا ولدي حكاية بعدول؟
-ربما يا أمي؛ لم أشأ أن أخبرها بأن ما أودعته لدي من خزانتها قد تلاشي مع الوهن الذي سرى في ذاكرتي.
- ذلك الغجري الذي تزوج ست الحسن!
أكملت في تأن: بعدول وهذا لقبه الذي عرف به في كفرنا؛ لا ندري من أين جاء؛ لم يشاهده أحد من الأجداد أو الآباء يزرع أو يبيع لا حرفة له غير التثاؤب تحت ظل شجرة التوت العجوز؛ يقال إنه ينتظر مطلع نجم في السماء؛ يدله على الكتز!
التف حوله الكسالى والذين يجدون في الأوهام دفء الشناء وطعام الفقر؛ أخذوا يبنون بيوتا من فضة ومن ذهب؛ يعود الواحد منهم وقد أعيته الحيل بعدما ملأ جرابه بتلك الظنون؛ تطالبه امرأته برغيف خبز أو كسوة من عري فيسمعها من فنون بعدول ما يجعل الخدر يسري في جسدها فتنقلب حية تسعى!
تناسلوا فتكاثروا وما يزال ما ألقاه ذلك الغريب يسري في دروب كفرنا؛ يعظهم فيرهفون السمع؛ يأمرهم فينقلبوا قردة في يد ساحر بارع.
مضت الأيام وجرت السنون وبعدول ينتظر نجمه؛ عيون تترقب وآذان مرهفة وقلوب واهنة إلا من رفثه؛ في تلك الليلة حين اختفى القمر وراء التلة؛ ضربت ريح عاصف أشجار الكفر، تساقطت الأوراق الخضراء؛ يخبرهم أنها في العام القادم ستكون وردا ورياحين، تعود النسوة ضامرات الأثداء وقد ارتوين من نبع النهر؛ تهتز حبات الرمان في صدورهن، شعورهن يقاربن الخصور؛ خدودهن أكثر حمرة من حبات التفاح الشهي.
استناموا وقد سكن الذباب أفواههم، تجري بالعجز حميرهم وتسرح في جنبات الكفر، تتعارك فنخرج لها بالعصي،؛ كثر نهيقها وقد استراحت من شظف العيش.
امتطى بعدول ظهر أتانه؛ كبرت عمامته بعدما استدارت؛ يرونه القطب المتولي؛ يلعب بالبيضة والحجر؛ لديه كتاب عتيق به أحاجي وحكايات، يروي منه، يعيد كل ليلة ويزيد.
يطوف بالقرى والعزب؛ يدور حول مقامات الأولياء، نتبعه مسحورين؛ في خرجه حمص وسوداني وزمامير، لحيته طويلة يلتحفها ليالي الشتاء، حبات مسبحته مصنوعة من عضم الهرابيد؛ فمه مجوف كأنه مغارة يسكنها الشيطان؛ رغم كل هذه تراه نسوة كفرنا يوسف وقد امتلك شطر الجمال؛ تحسب كل واحدة منهن نفسها زليخة امرأة العزيز!
استناموا وقد سحر للكنز، أخرجه من بطن التلة: ياقوت ومرجان وزمرد؛ محاريث تجرها أبقار صفراء فاقع لونها تعجب الناظرين.
حين ضربت الشمس أقفيتهم؛ لم يجدوا بعدول ولا أتانه؛ سرداب عميق يفضي إلى قاع النهر تسكنه جنيات سود ورجال في آذانهم حلقان وشخاليل تحيط رقابهم؛ الواحد منه يقارب مأذنة الجامع القبلي.
حبات الرمان الذي تراقص في أوهامهم صار خيط العنكبوت؛ شعر النسوة بدا كما لو كان أوراق شجيرات السنط تربض في مدخل طريق الغجر على حافة مجري الغريب.
انتصف الليل وقد غلب النوم جفنيها؛ أطفأت المصباح وألقيت رأسي على الوسادة منتظرا حديثها الليلة القادمة، أخشى أن تسرق النداهة حكايات أمي؛ ربما لا تعيد نفس الحكاية لكن على أية حال بت أحلم بست الحسن والجمال وقد احتزت كنز كفرنا الذي سرقه العبد الحبشي بعدول!
حين أذن الديك يوقظها لصلاة الفجر كانت واقفة أمام الباب وقد أمسكت بعصاها تضرب بعدول الذي عاد يكرر حكايته؛ فكفرنا الذي اعتاد النسيان يصنع في كل زمن بعدوله وإن كان من حجر!
فيما مضى كانوا يقيمون مناحات لاتنتهي، بدأوا لكثرة الموتى يتجاهلون تلك العادة، يكتفون ببضعة دموع ثم يتقاسمون أوجاعهم أو يعاودون أفراحهم حدث هذا مرات عديدة.
غير أنها تظل تردد حكاياتها؛ حتى بت أتساءل هل تخاف عليها من يلتهمها فأر مأرب؛ فيتملكنا الضياع في بلاد الله؟
لقد أورثتني ذلك الوشي المطرز تقصه كل ليلة؛ تحتفي دائما بما تركه الراحلون إلى العالم الآخر؛ ينتظر الصغار الحلوى والمعلبات، ما عادوا يحفلون بذلك الماضي؛ يرونه خرافات؛ ينتابها الحزن كل آونة؛ من يا ترى سيحكي لكم من بعدي عن الغجر يسرقون الكحل من العيون؛ تدير حكمتها ومن ثم تهز برأسها،
توصيني أن أحكي تخشى الزمن وقد جرى أمام عينيها؛ وجهها به تعرجات أشبه بسطور في كتاب الحكمة الأزلي؛ تطعمني بيديها وتحكي نتفا مما اختزنته ذاكرتها؛ تظل الأمهات نبع الحرف الأول؛ يرددنه على مسامع الصغار؛ فاجأتني بسؤال عن ذلك الغريب الذي أخبرتها به جدتي حين كانت تنام في حجرها؛ هل تعرف يا ولدي حكاية بعدول؟
-ربما يا أمي؛ لم أشأ أن أخبرها بأن ما أودعته لدي من خزانتها قد تلاشي مع الوهن الذي سرى في ذاكرتي.
- ذلك الغجري الذي تزوج ست الحسن!
أكملت في تأن: بعدول وهذا لقبه الذي عرف به في كفرنا؛ لا ندري من أين جاء؛ لم يشاهده أحد من الأجداد أو الآباء يزرع أو يبيع لا حرفة له غير التثاؤب تحت ظل شجرة التوت العجوز؛ يقال إنه ينتظر مطلع نجم في السماء؛ يدله على الكتز!
التف حوله الكسالى والذين يجدون في الأوهام دفء الشناء وطعام الفقر؛ أخذوا يبنون بيوتا من فضة ومن ذهب؛ يعود الواحد منهم وقد أعيته الحيل بعدما ملأ جرابه بتلك الظنون؛ تطالبه امرأته برغيف خبز أو كسوة من عري فيسمعها من فنون بعدول ما يجعل الخدر يسري في جسدها فتنقلب حية تسعى!
تناسلوا فتكاثروا وما يزال ما ألقاه ذلك الغريب يسري في دروب كفرنا؛ يعظهم فيرهفون السمع؛ يأمرهم فينقلبوا قردة في يد ساحر بارع.
مضت الأيام وجرت السنون وبعدول ينتظر نجمه؛ عيون تترقب وآذان مرهفة وقلوب واهنة إلا من رفثه؛ في تلك الليلة حين اختفى القمر وراء التلة؛ ضربت ريح عاصف أشجار الكفر، تساقطت الأوراق الخضراء؛ يخبرهم أنها في العام القادم ستكون وردا ورياحين، تعود النسوة ضامرات الأثداء وقد ارتوين من نبع النهر؛ تهتز حبات الرمان في صدورهن، شعورهن يقاربن الخصور؛ خدودهن أكثر حمرة من حبات التفاح الشهي.
استناموا وقد سكن الذباب أفواههم، تجري بالعجز حميرهم وتسرح في جنبات الكفر، تتعارك فنخرج لها بالعصي،؛ كثر نهيقها وقد استراحت من شظف العيش.
امتطى بعدول ظهر أتانه؛ كبرت عمامته بعدما استدارت؛ يرونه القطب المتولي؛ يلعب بالبيضة والحجر؛ لديه كتاب عتيق به أحاجي وحكايات، يروي منه، يعيد كل ليلة ويزيد.
يطوف بالقرى والعزب؛ يدور حول مقامات الأولياء، نتبعه مسحورين؛ في خرجه حمص وسوداني وزمامير، لحيته طويلة يلتحفها ليالي الشتاء، حبات مسبحته مصنوعة من عضم الهرابيد؛ فمه مجوف كأنه مغارة يسكنها الشيطان؛ رغم كل هذه تراه نسوة كفرنا يوسف وقد امتلك شطر الجمال؛ تحسب كل واحدة منهن نفسها زليخة امرأة العزيز!
استناموا وقد سحر للكنز، أخرجه من بطن التلة: ياقوت ومرجان وزمرد؛ محاريث تجرها أبقار صفراء فاقع لونها تعجب الناظرين.
حين ضربت الشمس أقفيتهم؛ لم يجدوا بعدول ولا أتانه؛ سرداب عميق يفضي إلى قاع النهر تسكنه جنيات سود ورجال في آذانهم حلقان وشخاليل تحيط رقابهم؛ الواحد منه يقارب مأذنة الجامع القبلي.
حبات الرمان الذي تراقص في أوهامهم صار خيط العنكبوت؛ شعر النسوة بدا كما لو كان أوراق شجيرات السنط تربض في مدخل طريق الغجر على حافة مجري الغريب.
انتصف الليل وقد غلب النوم جفنيها؛ أطفأت المصباح وألقيت رأسي على الوسادة منتظرا حديثها الليلة القادمة، أخشى أن تسرق النداهة حكايات أمي؛ ربما لا تعيد نفس الحكاية لكن على أية حال بت أحلم بست الحسن والجمال وقد احتزت كنز كفرنا الذي سرقه العبد الحبشي بعدول!
حين أذن الديك يوقظها لصلاة الفجر كانت واقفة أمام الباب وقد أمسكت بعصاها تضرب بعدول الذي عاد يكرر حكايته؛ فكفرنا الذي اعتاد النسيان يصنع في كل زمن بعدوله وإن كان من حجر!