بوراوي سعيدانة - سارق الشمس.. قصة قصيرة

لم يسرق صابر الشمس وا نما هي مجرد تُهمة لفّقها المحقّق وأقرّتها محكمة الجنايات...
أخبرني صاحب الكلام أنّ صابر لم يكن في يوم من الأيام من عُشاق الشمس ولا من أصحابها
ولا من هُواة أشعتها...
كان يعشقُ الظل ويمشي حذو الجدران حتّى لا تراه الأعين الضّارة،كان منكفئًا على نفسه لا يهتمّ
بأحد...
كانت صلعته اللّماعة تطلب التّستر وترفض أيّ غطاء،شاشيّة حمراء أو كوفيّة عراقيّة أو خليجيّة
أو قلنسةّة عبريّة تكفيه شرّ الأعداء...
قيل والأقوال كثيرة إ ن صابر لم يعد صابر إذ لم يعد يعتني بهندامه لهني ولم يعد يكوي بدته
ال رسم ية أو يعل ق شعارها ولم يعد يل مع حذاءه ويذهب إلى عمله مجرورا جرّ الجبان إلى ساحة القتال...
عيون الأخبار المتناثرة هنا وهناك وفي أي زمان ومكان لا تُهمل أية صغيرة أو كبيرة، كانت تنقل
أية صغيرة أو كبيرة،كانت تنقل ك ل شيء بأمان وبغير أمانة إلى أولي الأمر وغير أولاة الأمور..
قال صاحب الكلام:لا تتق دم أ مة ما إلا بعيونها ال ساهرة،فإذا نامت ناموا إذا استيقظت استيقظوا.
تذ كر صابر أ ول جريمة ارتكبها،يومئذ لم يل م ع حذاءه الأسود ولم يحلق لحيته البيضاء.وعندما طلب منه
رئيسه المثول بين يديه بواسطة الجرس الكهربائي،أسكت رنينه بفضل زرّ صغير ثمّ هرع إلى
المرحاض...
سبقته الوشاية إلى مكتب ول ي أمره فغسله بالبصاق والصياح الأمر الذي لفت فضول موظ في
الإدارة رجالا ونساء من المتزوجين والمتزوجات والمطلّقين والمطللّقات والعوانس والعزّاب..
قال بعضهم:لقد استحم استحماما رائقا..
قالت إحداه ن:قيل إ ن سرق الشمس ؟
تساءل غير هؤلاء: وكيف يسرق ال شمس وهو لا يقدر حت ى على سرقة دجاجة ؟
قال صاحب الكلام:الحُ جة على من ا دعى..
قال وليّ أمره بعد أن استكمل تقريره:
إنّ ملفّه الشخصي مليء بالمخالفات والجُنح وسلوكه مع ولاة أمره سيّء للغاية،فهو لا يُجيد نقل الأسرار
ويُحرف الأحداث ولا يحفظ الولاء...
وتناسى صابر الإحالات الث لاث على مجلس لت أديب وتد رجه العكسي في سل م الت رقية وما عساه أن
يضاف إلى ذلك من إنذارات وتوبيخات..
قال غاضبا:لقد سرقوا عرقي وعرق وطني وهواءه وأنفاسه فلماذا لا أسرق أنا شمسه ؟
وقرّر صابر أن يسرق شمس وطنه في يوم عيد وطني،يومٌ تتله ى فيه عيون الوشاة والمنافقين والمنافقات
ولا تت جه الأنظار إلى الشمس...
هاهي مُشرقة من ال صبح إلى الغروب..
انتحى صابر مكانا قص يا بعيدا عن المحتفلين الولهين،ع رض عجيزته لأشعّته شمس وطنه متناسيا
ول ي أمرها..
وبدون سابق إعلام أو إنذار،أفلح الوشاة في كشف أمره وتبليغه لأصحاب البلاغ فلم يجد مفرّا من
إخفاء جريمته،وقرّر ولاة أمره إحالته على محكمة الجنايات التي أذنت بقطع عنقه بدون بزته الرسمية
ودفنه في الخلاء وليس في مقبرة نصرانيّة أو يهودية أو إسلاميّة...
لكنّه قال قبل قطع عنقه:
- لم أكن يوما مُنتميا إلى أ ي من الملل أو النحل.


*عن مجموعته القصصية: مزالق المهالك

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى