ماجد حميد الغراوي - هوامش أدبية في قصائد الشاعرة هيام جابر

(1)
يَأْخُذُنَا بِهَاءُ حَرْفِهَا المُضِيءِ إِلَى لَحَظَاتٍ مَمْلُوءَةٍ بِالأَلوَانِ الشَّفَّافَةِ، المُنْسَجِمَةِ مَعَ أَنْفَاسِهَا الرَّقِيقَةِ الهَائِمَةِ بِخُطَى التَّجْدِيدِ، المُتَعَدِّدَةِ في أَغْرَاضِهَا الشِّعْرِيَّةِ مُتَّجِهَةً إِلَى مَحَطَّاتٍ شَتَّى مُوَشَّحَةً بِالمُثَابَرَةِ لِتُشَكِّلَ تَجْرِبَةً شِعْرِيَّةً وَاعِدَةً؛ فَهِي شَاعِرَةٌ مِنْ سُورِيَا الأَدَبِ وَالشِّعْرِ وَاليَاسَمِينِ، تَكْتُبُ عَلَى سَجِيِّتِهَا كُلَّ مَا يعْتملُ نَفْسهَا مِنْ هَوَاجِسَ وَمَشَاعِرَ وَأَحَاسِيسَ مُبْتَعِدَةً عَنِ القُيُودِ التِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُقَيِّدَ هَذِهِ التَّجرِبَةَ أَوْ تَدْفَعَهَا إِلَى مَسَارٍ آخَرَ قَدْ يُغَيِّبُ خُصُوصِيَّتَهَا وَتَمَيُّزَهَا، صَدَرَ لَهَا دِيوَانُ (وَكُلُّ مَا فِيكَ هُيَامٌ)، وَقَصَائِدُ أُخْرَى كَثِيرَةٌ.

(2)
نَرَى فِي قَولِهَا:

لَيْسَ بِالعَينِ نَرَى كُلَّ الأَمْطَارَ

هُنَاكَ أَمْطَارٌ تَنزِلُ بِقُلُوبِنَا

تَجْلِي عَمَى الأَلوَان
لِنَحُسَّ وَنَرَى مَا أَمَامَنَا
وَمَا خَلْفَنَا
وَكَأَنَّنَا بِوَضَحِ النَّهَارِ.

رُؤيَةٌ للشَّاعِرَةِ لِمَعرفَةِ الأَشيَاءِ وَالإِحسَاسِ بِهَا لَهَا خُصُوصِيَّتُهَا مُعتَمِدَةً أُسلُوبَ الخِطَابِ الشِّعرِيِّ؛ فَنَرَاهَا تَستَرسِلُ لِتُقَدِّمَ أَكثَرَ مِنْ مُستَوَى للتَّعْبِيرِ، بِمَعَانٍ مُتَجَدِّدَةٍ وَسَلِسَةٍ ذَاتِ مَدْلُولٍ يَرْقَى بِلُغَتِهَا إِلَى قَصِيدَةِ النَّثرِ؛ لِغَرَضِ إِرسَالِ فِكْرَتِهَا إِلَى المُتَلَقِّي لِأَدَاءِ وَظِيفَةٍ إِخْبَارِيَّةٍ فِيهَا إِحسَاسٌ وَمَضْمُونٌ وَرَمْزٌ (المَطَرُ)، مُعتَمِدَةً عَلَى مُستَوَى مِنَ الإِيقَاعِ الذِي يَقُومُ عَلَى عَنَاصِرَ مِنْ بَينِهَا؛ التَّكْرَارُ، وَثُنَائِيَّةُ التَّشَاكلِ وَالتَّبَاينِ، عَلَى اعْتِبَار أَنَّ الوَزنَ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ قَصِيدَةِ النَّثْرِ، لَكِنَّنَا نَجِدُهُ فِي بَعْضِ الأَحيَانِ بِهَذَا النَّصِّ أَوْ غَيرِهِ بِتَفعِيلَاتٍ مُحدَّدَةٍ وَغَيرِ مُنتَظِمَةٍ:

لَيْسَ بِالعَينِ
نَرَى كُلَّ الأَمطَارِ
هُنَاكَ أَمْطَا……….رٌ
فَاعِلَاتُنْ فَاعِلُنْ فَعُولُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَعُولُنْ.

(3)
فِي نَصٍّ آخَرَ نَرَى:

مِنْ نَافِذَةٍ بَلُّورِيَّةٍ

يَتَسَرَّبُ البَحْرُ بِبطْءٍ

يَحْمِلُ عَلَى أَكْتَافِهِ نَوَارِسَ عَاشِقَةً

بِأَنَاقَةٍ بَيضَاءَ، يُعَانِقُنِي

يُقَدِّمُ لِي وَلِيمَةَ ذِكْرَيَاتٍ

زَبَدُ عِطْرِكَ يَفُوحُ

وَرَوَائِحُ شَهِيَّةٌ تَعْبقُ حَولِي

أَلْتَهِمُ كُلَّ شَيءٍ

عَيْنَايَ جَائِعَةٌ لِأَطْيَافِكَ وَأَطْيَابُكَ

تَمْضِي كَحُلْمٍ مُعَتَّقٍ بِفِكْرِي

تُشْعِلُ الغِيَابَ بِمَوَاقِدَ مُلتَهِبَةٍ

حِينَ جَزْرُ طَيفِكَ يَنْسَحِبُ

أَيُّهَا المُمْتَدُّ حَولَ يَابِسَةِ الرُّوحِ مِنْ كُلِّ الجهَاتِ

أَرْنُو إِلَيكَ وَالمسَافَةُ بَيْنَنَا كَثِيرٌ مِنَ المَاااااااءِ

وَقَارَبٌ مَكْسُورٌ
التَّكْرَارُ الصَّوتِيُّ الذِي يُشَكِّلُهُ تَكْرَارُ الفِعْلِ المُضَارِعِ (يَتَسَرَّبُ / يَحْمِلُ / يُقَدِّمُ / يَفُوحُ)، وَالسَّجْعُ فِي (يُعَانِقُنِي / حَولِي / فِكْرِي)، إِضَافَةً إِلَى التَّرَاكِيبِ اللَّفْظِيَّةِ المَجْرُورَةِ بِحُرُوفِ الجَرِّ؛ مِثْل: (مِنْ نَافِذَةٍ بَلُّورِيَّةٍ / بِأَنَاقَةٍ بَيضَاءَ / بِمَوَاقِدَ مُلتَهِبَةٍ) كُلُّهَا شَكَّلَتْ جُزْءًا “مُهِمًّا” مِنْ أَدَوَاتِ التَّنْغِيمِ فِي هَذِهِ القَصِيدَةِ، وَأَعْطَتْهَا جَمَالِيَّةً جَعَلَتْهَا تَنْتَظِمُ بِحُرُوفِهَا وَكَلِمَاتِهَا لِتُكَوِّنَ صُورَةً شِعْرِيَّةً جَمِيلَةً كَعِقْدٍ يَتَلَأْلَأُ يَجْتَازُ بِجَمَالِيَّتِهِ حُدُودَ الزَّمَانِ وَالمَكَانِ، فَتَتَوَهَّجُ فِيهِ العُيُونُ الأَجْمَلُ التِي يَتَسَرَّبُ مِنْهَا العِشْقُ بِبِطْءٍ مَقْصُودٍ مِنَ الشَّاعِرَةِ، كَأَنَّهَا لَا تَرْغَبُ بِتَسَرُّبِ هَذَا العِشْقِ بِسُرْعَةٍ؛ خَشْيَةَ وُصُولِهِ إِلَى نِهَايَةٍ مَا.

(4)
نَجِدُ فِي نُصُوصٍ أُخْرَى أَنَّ الشَّاعِرَةَ هَائِمَةٌ فِي البَحْثِ عَنِ الأَمَلِ؛ (الحَبِيبِ) الذِي لَمْ يَأْتِ عَلَى اتِّسَاعِ الأُفُقِ مِنْ جِهَةٍ، وَمُحَاوَلَتهَا لِلْإِمْسَاكِ بِوَاقِعِ الحَيَاةِ الطَّبِيعِيَّةِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى:

أَشْعُرُ بِالرُّوحِ تَسْرِي
تَبْحَثُ عَنْكَ….

هَائِمَةً وَرَاءَ الغَيْمِ تَجْرِي

أَفِيقُ مِنْ حُلْمِي

وَإِذْ بِي أَرْتَطِمُ بِالأَرْضِ

وَأَنْتَ –مَا زِلْتَ– لَمْ تَأْتِ
قَدْ تَتَّسِعُ المَعَانِي وَالدّلَالَاتُ فِي قَصَائِدَ أُخْرَى لِلشَّاعِرَةِ تَمْتَدُّ إِلَى رُمُوزٍ وَتَأْوِيلَاتٍ أَكْثَر اتِّسَاعًا”مِنْ قِرَاءَتِنَا حَولَ تَمَكُّنِ الشَّاعِرَةِ في الإِبْدَاعِ فِي قَصِيدَةِ النَّثْرِ.

ماجد حميد الغراوي- بغداد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى