د. سيد شعبان - الذبابة الواشية!

تبدلت معالم الشارع الذي سكنته مضطرا؛ فراتبي لا يسمح لي بأن انتقل إلى بناية جديدة، هذا لا شأن له بحالة التردي المعيشي التي تضرب البلاد هذه الأيام، رغم هذا فبعض من أعرفهم صاروا منتفخين بحساباتهم في المصارف، أخبار طائشة تأتي إلي دونما تقص لها، طاحونة الفساد ستدمر الوطن؛ تبا لقلمي الذي يصر على أن يقصف من جديد.
ما تزال تلك العادة تمسك بي حيث متلازمة النقد والسوط، الكاتب يدور في ساقية، الرقيب مصاب بالصمم إنه يهوى الغباء، بل لقد رأيت أحدهم ممن كانوا يصادقونني أيام الصعلكة وقد وضع عطرا باريسيا، إنه يتأبط ذراع حسناء يتبعها شعرها في تدلل مثل شلال يهدر.
جيبي ثقب بمشرط رهيف عمل في خفة ؛وتناثر شقى شهري هباء لم أنتبه لهذا، حين هممت بشراء نصف كيلو لحم؛لمدة شهر لا يوقد يمنزلي إلا على الفول ومشتقاته، ضربت يدي في تلك الهوة فما وجدت غير الهواء سرابا.
لعل لص الموظفين مزق جيبي المسحور، في سخرية مرة جلست على رصيف الشارع، ولأن الجو هذه الايام نار الله الموقدة فقد حلا لي المقام تحت ظل شجرة كافور عملاقة، يبدو أنها هربت من الأقلام السوداء مثلي.
وقد قيل: إن المصائب يجمعن المبتلينا!
تمددت وألقيت ساقي للهواء،والشمس تفعل بها ما تريد، الناس لا تأبه لمن يتوسد الطريق، هل صرت منبوذا لهذه الدرجة؟
يداعب الذباب أرنبة أنفي في تكاسل مددت يدي لأبعده قليلا، كلما هممت بذلك أجد قطعة معدنية تلقى في حجري، لقد أحببت ذلك فثمة خدر لذيذ يسري داخل شراييني، نسيت ان أسرع قبل أن ينتهي موعد البصمة الآلية، في الغد متسع لهذا، للذباب فائدة تنبهت لها، لن أبوح بهذا السر لأحد، لكنها مصابة بداء الوسواس القهري؛ ستعقد لي محاكمة في قفص زجاجي فشدو البلبل يزعجه يؤرق مضجعه
لأكف عن هذا فهم يعلمون ما يصلح لنا، الأخ الأكبر يتمتع بحاسة قوية، ربما هو من أرسل هؤلاء ليراقبوا حركة إبهامي.
على حين غفلة مني وجدت الشارع ممتلئا بهؤلاء القابعين وراء داء التبطل، يد ماكرة وشت بي حيث امتنع الذباب أن يصدر طنينه، انتهب لص الموظفين ما كان يقبع بحجري من جنيهات تتراقص أضواؤها في لهيب مخمصة معدتي الفارغة.
حيث تنعقد لتلك الجناية ألف ندوة وندوة صرت حديث المنتديات؛ البعض وجدني مارقا، الكثيرون أثنوا على انتمائي لهذا الشارع، باعة العصير المختلط بعرق القصب المسوس والذي كنا نسميه شق القمر اغتنوا كثيرا، الحوار يمتد في برامج الرغي المسائي حيث وجدت خبيرا كان يدرس لي علم التمويل العقاري يدلي بدلوه، كلماتي ملأت صفحات التواصل اﻻجتماعي، رشحت لألف سوط، ليتني هممت بأن ألقي بنفسي في النهر؛ ربما تخلصت من عناء الحياة، بالتأكيد سأتهم بتلويث النهر.
كم أنت متفرد، هذا خدعة جديدة من زوجتي، إنها لن يرتاح لها بال حتى تحوز لقب أرملة حيث يحلو لها أن تلوك أحاديث الماضي.
فررت من هذه التهاويم التي تدفع بي ناحية العالم الموسوم بهاجس ليل مفزع.
في المرة القادمة سأضع راتبي في حنايا قلبي ،غير معقول أن أبقى هكذا خاوي الجيب، أدركت أن هذا الذباب كان حيلة إلكترونية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى