د. سيد شعبان - كوندي!

لا أحد يسمع بي؛لست محور هذا العالم، هذه هي نتيجة توصلت إليها حين انزويت في حجرتي بعيدا عن صخب الأفكار التي أتعبتني طيلة الأيام الأخيرة، هذا الأمر رغم ألمه أراحني كثيرا، لذا قررت أن أتخلص مما لا فائدة منه، أولها الكتب الصفراء التي أصابتني بتخمة التفكير، علي أن أترك ذلك العالم الوهمي الذي لا يوجد إلا في داخلي:مثل تحلق في السماء لكن ثيابها ممزقة تمرح فيها الفوضى الخلاقة؛ كونداليزا ريس لم تكن سوداء بل أنا الذي كنت مصابا بعمى الألوان إنها فاتنة بل أكثر إغراء من مارلين مونرو!
سلطت الأضواء عليها.
ساقاها تخطوان في تدلل، موحيتان للشعراء بقصائد الغزل الرائعة، لا أدري كيف سيكون شعر نزار قباني لو طالع صفحة خدها الأسيل؟
يتساقط من سقف الحجرة ماء القابعين في الدور العلوي؛ فيعطرون الجو بمزيج من رذاذ غريب.
علي أن أترك رفاهية الحلم، لا حاجة بهم لمتعطل مثلي يلوك حكاياته المملة صباح مساء، الحامل للسوط يطارد الحملان في الجهة المقابلة لحجرتي، يمسك بخناقها جيدا، آفتي الوهم المتدثر بي، لا وجود لمن ينزوون بعيدا عن أضواء المسرح، حتى يهوذا حفلت به كتب الحكم، وهل سيكون المسيح إلا بيهوذا؟
يتجاوز عالمي هذه الحجرة القابعة في تلك البناية الموجودة على هامش المكان مثلما أنا مبعد في الزمان، ألوك الحكايات كل مساء، في الصباح أفتح النافذة لأشعة الشمس، الطيور تلقي إلي بالخبز، أتسمع نشرات الأخبار فأصاب بغم: الأطفال يتركون للوحوش الضارية تلقي عليهم براميل الموت، كيم إيل يونج يعبث بالصواريخ البالستية، الرايات السوداء تسقط مأذنة الموصل، ابنة ترامب تشعل عيون رعاة الإبل لهبا، قطر والأربعة" توم وجيري".
بطني خاوية لم ينته الصيام بالنسبة لي، الرغيف الممغنط يأتيني مكرها، بي رغبة جامحة أن أخرج من هذه الحجرة التي وضعت فيها بلا اهتمام، إنها تهملني كثيرا، يسوءها أن تنظف ثيابي، ذو القلم الأسود أطلق شائعة حولي؛ أنني ممسوس.
من يومها قبعت في باطن الأرض، الصغار يهزأون بي، نسيت رغبات جسدي، ربما أكون خطرا على هذا العالم، لست كونداليزا الرشيقة ولا كيم إيل يونج الوسيم.
على كل لن يأبه بي أحد، سأحاول الخروج مع أول الشتاء حيث تنزل الأمطار، جوار حجرتي زهرة لا تخرج عبقها إلا في يناير في الثلث الأخير منه، ذكرى بالنأكيد لساعة جميلة.
حجرتي لا باب لها؛ إنها ذات فوهة علوية، أنا يوسف وهذا بئري؛ نسيني السيارة، في المدن العتيقة لا حاجة بهم لأن يرسلوا واردهم، لم يا كوندا فعلت بي هذا؟
هل جزاء من اشتهى عينيك السجن؟
أنت ساحرة شريرة مثل التي جابت المحروسة في الخامس من يونيو، هذا ما سمعته من جدتي، في كل مكان نصبوا مأتما، ومن يومها وأنا قابع في الجب وحدي.
أصوات تتابع أصداؤها في أذني :هذه الأرض لنا والسماء موطنا !
شيخ الحارة يغط في نومه، الصغار يتدافعون بل بعضهم يذكرني ؛ عم الشيخ إمام !
تعود إلي الحياة،فتدب في ألف رغبة، تنمو عظامي من جديد، تمسك يدي بفوهة الحجرة،أشم هواء الصباح.
قلوب الصغار تنزف!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى