لطالما سحرتني الشاشة الفضية، هذا البهاء في العتمة، والإضاءة التي تكشف بريق العيون، تلك الرهبة بالصوت، والجمال بنجوم السينما، حتى الرائحة الرطبة التي تتنسم مع الإشعاع البهي، تنفصل عمَّن حولك وعن ضوء النهار.
لم يخطر ببالي أن وجهي سيحتلّ الشاشة يوما، فوجئت باختيار المخرج الذي وقع عليَّ، لتمثيل دور قصير في فيلم، زميلاتي أسموه (كومبارس)، وأنا أحلم بأنه دور البطولة، قرأتُ الغيرة والاستنكار في عيونهنَّ، شعرت بنشوة انتصار، لاسيما أنني لا أملك مقومات الممثلة، لكني اعتبرتها ضربة حظ، وحلقتْ طموحاتي، قد أصبح فاتن حمامة.
أدور أمام المرآة وأواسي نفسي؛ مدرب خاص وبرنامج غذائي، ومع الرياضة قد أصبح برشاقة وشهرة سلمى المصري،لم تترك أمي صديقة أو جارة، إلا ودعتها لمشاهدة الفيلم الذي ستظهر فيه ابنتها، إحدى جاراتنا عبّرت بطريقة مريبة: (وما عليه، وجهها كالبدر لِمَ لا يختارونها؟)، أبي اعترض؛ لكن أمام فرحتي بالتمثيل تراجع وفي عينيه نظرة تردّد وقلق، وتمنيت له أن يحضر العرض الأول؛ لكنه رفض.
سألت أمي: هل أدعو زميلاتي؟، بحماس شديد، أجابت:
- طبعا، ذرّي الملح في عيونهنَّ.
دعوتُهنَّ تشفِّيا بهنَّ؛ وحضرنَ على مضض.
بصعوبة أجلس على مقعدي في أول صفّ، وأغرق بضجيج قلبي، وأنا أنتظر وجهي أن يحتلّ الشاشة، مضى معظم الفيلم كقطار يمشي على أعصابي، لم أستطع متابعة أحداثه بدقة؛ فلهفة انتظاري طغت على كل وعي لديَّ؛ لكني التقطت فكرته، وآهٍ، كم تُلامس وجداني! ولولا أنني بانتظار ظهوري، لبكيت، وبكيت، كان كل شيء مائعا، السيولة عنوان المشهد، وجوه كالشمع المذاب، وأحجار باتت كالطين المنجرف بعصف طوفان، الساعات المعلقة على الجسور تقاطرت عقاربها كخيوط جبن في فرن حامٍ، كل شيء يشي بالحرارة إلّا الصقيع في مفاصلي، لا حرارة تخرجه، بل ارتجافه يضجّ في أذني؛ وأخيرا ظهرتُ والكاميرا تلاحقني، تمسح كثبان وتلال وانخماصات جسدي المرتجّ بخطواتي المتسارعة، وأدركتُ لحظتها لِمَ أعاد المخرج تصوير المشهد مرات عدة، يحثّني على السير في طريق خالٍ من البشر، مُحاط بالأشجار، وتابعتْ عيناي المعلقتان على الشاشة بحثهما عنّي، ولم يظهر وجهي البدر، وقلبي يتسارع نبضه كطبول الحرب، يضرب في رأسي...
ظهرتْ لي فتاتان تراقبانني من خلف جذع شجرة و تضحكان، ثم تكملان حديثهما عن الموضة والأزياء، ويلحق بي شابّ يمضغ علكة ويتمتم بكلام لم أسمعه، كل ما سمعته قهقهات شرخت العتمة وقلبي، آه، لو أصير ذرة ملح ملقاة على رصيف ليل ممطر!.
صديقة علي 6/2022
لم يخطر ببالي أن وجهي سيحتلّ الشاشة يوما، فوجئت باختيار المخرج الذي وقع عليَّ، لتمثيل دور قصير في فيلم، زميلاتي أسموه (كومبارس)، وأنا أحلم بأنه دور البطولة، قرأتُ الغيرة والاستنكار في عيونهنَّ، شعرت بنشوة انتصار، لاسيما أنني لا أملك مقومات الممثلة، لكني اعتبرتها ضربة حظ، وحلقتْ طموحاتي، قد أصبح فاتن حمامة.
أدور أمام المرآة وأواسي نفسي؛ مدرب خاص وبرنامج غذائي، ومع الرياضة قد أصبح برشاقة وشهرة سلمى المصري،لم تترك أمي صديقة أو جارة، إلا ودعتها لمشاهدة الفيلم الذي ستظهر فيه ابنتها، إحدى جاراتنا عبّرت بطريقة مريبة: (وما عليه، وجهها كالبدر لِمَ لا يختارونها؟)، أبي اعترض؛ لكن أمام فرحتي بالتمثيل تراجع وفي عينيه نظرة تردّد وقلق، وتمنيت له أن يحضر العرض الأول؛ لكنه رفض.
سألت أمي: هل أدعو زميلاتي؟، بحماس شديد، أجابت:
- طبعا، ذرّي الملح في عيونهنَّ.
دعوتُهنَّ تشفِّيا بهنَّ؛ وحضرنَ على مضض.
بصعوبة أجلس على مقعدي في أول صفّ، وأغرق بضجيج قلبي، وأنا أنتظر وجهي أن يحتلّ الشاشة، مضى معظم الفيلم كقطار يمشي على أعصابي، لم أستطع متابعة أحداثه بدقة؛ فلهفة انتظاري طغت على كل وعي لديَّ؛ لكني التقطت فكرته، وآهٍ، كم تُلامس وجداني! ولولا أنني بانتظار ظهوري، لبكيت، وبكيت، كان كل شيء مائعا، السيولة عنوان المشهد، وجوه كالشمع المذاب، وأحجار باتت كالطين المنجرف بعصف طوفان، الساعات المعلقة على الجسور تقاطرت عقاربها كخيوط جبن في فرن حامٍ، كل شيء يشي بالحرارة إلّا الصقيع في مفاصلي، لا حرارة تخرجه، بل ارتجافه يضجّ في أذني؛ وأخيرا ظهرتُ والكاميرا تلاحقني، تمسح كثبان وتلال وانخماصات جسدي المرتجّ بخطواتي المتسارعة، وأدركتُ لحظتها لِمَ أعاد المخرج تصوير المشهد مرات عدة، يحثّني على السير في طريق خالٍ من البشر، مُحاط بالأشجار، وتابعتْ عيناي المعلقتان على الشاشة بحثهما عنّي، ولم يظهر وجهي البدر، وقلبي يتسارع نبضه كطبول الحرب، يضرب في رأسي...
ظهرتْ لي فتاتان تراقبانني من خلف جذع شجرة و تضحكان، ثم تكملان حديثهما عن الموضة والأزياء، ويلحق بي شابّ يمضغ علكة ويتمتم بكلام لم أسمعه، كل ما سمعته قهقهات شرخت العتمة وقلبي، آه، لو أصير ذرة ملح ملقاة على رصيف ليل ممطر!.
صديقة علي 6/2022