شريف محيي الدين إبراهيم - الكابوس

تحولت العيون نحو الرجل الذي كان يتلوي من الألم على أرض الشارع، وظل كل شئ كما هو!!

الليل الضارب بسواده... الأضواء الباهرة... العيون الناعسة... الهمسات الغامضة... ورزاز المطر.،
وموسيقى صاخبة تصدح في البيت المجاور ،تعلن عن حفل عرس يتوافد عليه المدعوون من كل فج.

كان جسد الرجل الغارق في دمائه يتلوي في تشنجات تتلوها تشنجات.
نظرت إليه شابة صغيرة ذات ثوب قصير مشقوق حتى الخصر.
امتدت يد رفيقها تسحبها إلى الجانب المظلم من الشارع وعلى الفور أطلقت ضحكة شديدة المجون.

الجو شديد البرودة.
الموسيقى تصدح من خلف الأبواب.
عن العزف توقفت فرقة موسيقية بالشارع، كانت تمر صوب حفل العرس، والتفت أفرادها نحو الرجل...
كان لا يزال راقدا على الأرض، مكور الجسد... منكسر النظرات... الدماء تنزف بغزارة من عنقه.
كان نصف الوجه مشقوقا بجرح يمتد حتى بداية العنق.
توقف قائد الفرقة فوق رأسه، راح يراقبه بملامح الدهشة ثم استدار على عجل وولي إلى حال سبيله.
جذبت الشابة شفتيها من بين شفتي رفيقها، واستدارت نحو الرجل ،لبرهة قصيرة ،ثم عاد بعدها كل شئ إلى حاله.
الصخب يزداد، والضحكات تتعانق... البعض يأكل... البعض يدخن... البعض يثرثر.

توقف طفل صغير، يحمل على ظهره حقيبة كبيرة الحجم وراح يسأله في صوت متلعثم :
ماذا بك؟!
لثوان خاطفة تصلبت عيناه فوق الجرح العميق... بدا على وجهه الفزع الشديد، ثم استدار نحو الطريق وانطلق جزعا لا يلوي على شئ.

عادت الفتاة إلى شفتي رفيقها تلتهمهما.
واصلت الفرقة الموسيقية عزفها.
أطلقت السيارات أبواقها تعلن عن وصول العريس إلى دار عروسه.
امتدت يد الفتى تعبث بين ثنايا ثوب رفيقته.
حاول الرجل أن ينهض ولكنه لم يستطع... انقلب فوق ظهره... تعثر فيه كهل عجوز... سقطت منه جريدته اليومية، قديمة ذات ورقات صفراء، فغطت كل وجه الرجل...
تماسك العجوز، وراح يمطره بالسباب... نهض وهو يترنح،كاد يهوي عندما اصطدام بصندوق قمامة قريب منه، انزلقت قدمه فسقط على ركبتيه ثم على وجهه.

كانت الشابة ذات الثوب المشقوق حتى الخصر قد تجردت من نصف ملابسها... وجعل الفتى يجوس بأصابعه المحمومةحتي دفعها فسقطت على الأرض
وسقط بكل جسده فوقها.

تحامل الرجل على نفسه...
جلس مترنحا، وكل وجهه مغطي بمزيج عجيب من دمائه وطين الأرض...
إلا أنه رفع وجهه إلى السماء وراح يستقبل المطر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى