جبّار الكوّاز - ذاكرة مثقوبة في مهاوي الجغرافيا

لم يكن قلقا عابسا
ولاضاحكا مشمسا
فالبحار ما زالت تزّاور بين أصابعه
وعيناه سرقتا الغفلةَ من ريح الصبا
وساقاه القصبيتان كانتا
تكيلان الشتائمَ على امهاتِ الأشواك
وعاقول السواحل
أما صدره
فقد زرع الاسى فيه غاباتِ ملحٍ.
فَطنَ يوما
وهو في خيلائه
أنّ خطَّ(التالوك)محضُ هراءٍ
لتزويجِ الماضي بالماضي،
فلِمَ لا يلتقي فيه البحرُ الأجاجُ بالفراتين؟!
ولِمَ اسماكُه
هجينةُ أممٍ
وصراعُ قبائلِ ديكةٍ؟!
في الليل
وهو يحاولُ ان يُنعسَه بأنينه
كانت خطاطةُ إرثه في(ذي قار)
تُخفي تاجَ( كسرى)
في ملابسِها الداخليةِ
نكايةً
بفضائحِ الأباطرةِ.
وخريطةُ إرثهم كانت واقفةً بنفسها
لحراسةِ آثارِ بنيهِ المهاجرين الى بلاد(السند والهند)
لم يفكرْ في أسرارِ الاقفالِ الكبرى لخزانتِه
حاول يوما أن يبتدعَ كلمةَ سرٍّ لها
فقالَ وهو واقفٌ أمامَها:
(أيّتُها البابُ كوني بيتا)
فأبتْ
وقالَ لها:تأكدي إنّني لن أفتحَكِ
لِ
(الصقالبة/الزنوج/الصفر/الغال/ الأمزيغ/السود/الافرنجة/البداة/الموسقوفيون/الترك/العجم/العماليق/السحرة/الانكليز)
ظلّ يعاندُها صارخا:
(أيّتها البابُ كوني بيتا فلن يطأَك الغرباءُ)
أبتْ
فذهبَ الى حلمِه ليصنعَ
فيه بيتا...
وحين فتَحَه
تطايرتْ منه فتياتٌ
(بيضاوات/سمراوات/صفراوات/سوداوات/حمراوات)
شبقاتٌ
كنّ يرقصْنَ بين أقدامِه
وهو كبهلوانٍ مجنونٍ
يزمّرُ في أصابعِه
لذاكرتِه التي طفرتْ
من لسانِه.
ذاكرتُه لمّا تزلْ طريةً
قالتْ له:
كن حارسي أيّها الزمّارُ الادردُ،
إرفعْ بواباتِ الفجرِ لينقسمَ النهارُ
الى حيازيمَ
وأشرعةٍ تطيرُ بطاعتِك العمياءُ
وحين فتحَها
أيقن انّ ذاكرتَه عاطلةٌ
فلقد تسربتْ اليها قوافلُ الجانِ
من بيوتِ اللحمِ النيّءِ.
كانت يداه الباردتانِ
تربدانِ على شفتيه
لتلقينَهما تعليمَ الصمتِ
وأساليبَ الدعاءِ
في محاريبِ الأمراءِ والملوك ِ
والجندِ الأنكشاريينَ
وحراسِ الامبراطورياتِ المخصيينَ
الذين لم يدركوا طعمَ الخصاءِ
الّا في إجازاتهم السنوية
حين آكتشفتْ نسوتُهم
إنّ عقودَ الخصاءِ
لم تبتكرْ معنى جديدا،
فهجرنَهم في الفراش.
حارسُ الذاكرةِ المثقوبةِ
ذو الذكورةِ الفجّةِ
ذو الشعرِ الأجعدِ
ذو الخدينِ الموشومينِ بملحِ الغدرِ
ونكايةً بهم
ظلّ يعاندُ نفسَه بقوةِ الفضّةِ في الباهِ
وحين أحالتْه محاكمُ التفتيشٍ
الى آمريةِ القسمِ الرابعِ
في تشريفات الساحل الافريقي
إعتقلتْه الأمزيغياتُ
في أذوناتٍ خاصةٍ
ودسسْنَه في الأساطيرِ
والأغاني
والاسرارِ
والوشاياتِ
والخوازقِ
وظلّ ملفُه السريٌّ جاهزا لأضافاتٍ بعد عقودٍ من شنقِه
كان جدلُ(الحاكميات)حبلَ مشنقةٍ
يتأملُه
وكيف سيتأرجحُ تحته يوما؟!
وهو الحارسُ الأمينُ
لأبجدياتِ أنهارٍ ظامئةٍ
وللانهزاماتِ السريةِ
ولمعاهداتِ نسلِ موسى/الصقالبة/الغاليون/الافرنجة/الانكليز/الزنوج/الصينيون/هنود بومباي/
ولأساطيرِ الرملِ في الربعِ الممتليء/لبداةِ الثلج ِالكندي/ولرعاةِ البقرِ.
لقد دجّنَه العماليقُ
حين أعشوا عينيه بشمسِ( الإهرامات)
وعيدِ( شمّ النسيم).
ظلتْ صخورُ (سيناء)ترشدُه للموتِ دائما
وهو يكيلُ لها تهمَ الكذبِ في إذاعةِ (صوت العرب)
فموسى الذي دسّ (العقبةَ) في (دجلةَ)
لم يزلْ يسايرُه
ويحاولْ أن يدجنَه
وهو يسبّحُ بحمدِ مشنقتِه الأحمر.
ولماذا لم يكنْ أسودَ مثلا؟!
وحين دعَوه الى الصعودِ
بالأغاني/الى الدكّةِ الخشبيةِ الملساء/...
كانتْ إرهاصاتُ العاقول في مملحةِ (الفا)
تنزُّ جثثَ الشهداء
وما زالت تتلقى شتائمَه
بالفاظ لم تألفْها
الألسنياتُ الكاذبةُ
هو لم يزلْ حارسَ ذاكرةٍ معطوبةٍ
تثرثرُ يوميا
ب(طريق الحرير)
فذاكرتُه تلحّ عليه
أن يقولَ ما لا يريدُ
لا ما لا يريدون
ف(طريقُ الحرير)
أولدَ أشآمَ جددا
ليسوا منه
او
ربما
ليسَ منهم...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى