د. عبدالله جعفر محمد صديق - رُعَاةُ الضَّبَابِ أَوْ مَا حَكى الْمَشَّاءُ جَهْراً

رُعَاةُ الضَّبَابِ أَوْ مَا حَكى الْمَشَّاءُ جَهْراً

(إلي المشّاء أسامة الخواض)


رَعَيْنَا الضَّبَابَ قَرَوْنَا ،
وَكَنَّا نُحِيط المراعي بِهَمْهَمَةِ الْغَجَّر ِالصَّاعِدِينَ الى فَجْرِ أحْزَانِهِمْ (أسامة الخوّاض)



أَنَا مِنْهُمْ،
وَحَرفِي مِثْلُ آخِرِ مَا تَبَقَّى مِنْ نَزِيفِ الشِّعْرِ فِيهُمْ،
لَيْسَ يُرْهِقُنِي اِنْطِوَاءُ الْعُمَرِ،
لَكِنِيّ اِقتَرَفَت كَمِثْلِهمْ ذَنْبَ الْوُلُوجِ الى ضِفَافِ اللَّا وُصُولِ،
إلى حُدودِ اللَّا بِلَادِ،

إلى الْوِسَادَاتِ الشَّوَارِعِ،
لِلنِّسَاءِ الْعَارِضَاتِ الْقَلْبَ لِلشُّعرَاءِ فِي سُوقِ الْكَلَاَمِ،
وَلِلضَّبَابِ يفْتّحُ الأبوابَ،
كَيْ يَمْضِي إِلَيْهِ رُعَاتُهُ الآتون مِنْ قَاعِ الْمَدَائِنِ في المنافي،
وَاِنْهِزَامِ الْحُلْمِ فِي وَجَعِ إرتشافِ الذِّكْرَيَاتْ
مِنْهُمْ أَنَا،
وَجْهِي عَلَى سَطْحِ الْمَرَايَا شَاحِبٌ،
كَصَدَى يَجِيءُ مِنَ الْبَعيدِ فَنَلْتَقِي،
وَكَأَنَّهُ مَا كَانَ بَعْضِي،
ثُمَّ نذهبُ فِي الْمُوَاكِبِ خَلْفَ أَرْتَالِ الضَّبَابِ
مِنْهُمْ أَنَا،
قَلْبِي كَمَا الْأَشْجَارِظِلِّي لَيْسَ لِي،
وَقَصِيدَتَيِ وَطَني،
وَعَاشِقَتَيِ تُسَمَّى فِي كِتَابِ الْحُبِ رَاعِيَةُ الضَّبَابِ،
ولَيْسَ لِي كالآخرين بِطَاقَةٌ باسْمِي،
وَلَكِنِيّ تَعَوَّدت التزام الصَّمْتِ،
كَيْ أَجْتَازَ صَالَاتِ الْمَطَارَاتِ الْمُدَجَّجَةِ الْعَسَاكِرِ،
وَالْحَوَاسِيب الْمُلَوَّنَةِ الْوُجُوهْ
لمشّاءين خَطْوَتهُمْ كَنَبْضِ قَلُوبِهِمْ وَجَلَى،
وآهتهم قَصِيدٌ مِنْ رَخِيصِ الشِّعْرِ،
لَا يَبْكُونَ مِلْءَ عُيُونِهِمْ،
مُدنٌ مِنَ الصَّمْتِ الْمُقَاوِمِ لِلْهُطُولْ،
فقَلُوبُهُمْ تَعَبى،
وَمَوْعِدُهُمْ ضَيَاعُ غَدٍ،
وَبَعْدَ غَدٍ مِنَ الأيّامْ
لمشّاءين خَلْفَ قَلُوبِهِمْ،
وَقَلُوبُهِمْ فوضى مِنَ الْأحْلَاَمِ وَالْآلَاَمِ وَالْأَوْهَامِ،
رَجعٌ مَنْ صَدَى خَطْوَاتِهِم لَيْلًا إلى الماضي،
وَعَوَّدَتْهُمْ وَفِي يَدِهِمْ غِنَاءْ
لمشّاءِين تَحْتَ الْبَرْدِ،
معَطفُهِمْ نَواحُ الرَّوْحِ،
سَاعِدهُمْ وَسِادَتُهُمْ وآهتُهُم غِطَاءْ
وصَيَّادُونَ للأحزانِ سِيمَاَهُمْ نَزِيفُ جِراحِهِمْ سِرّاً،
وَضَحْكَتُهُمْ هُرُوبٌ مِنْ لُهَاثِ حَنِينِ نَجْوَاهمْ،
وَنَظَرَتُهُمْ نِدَاءْ
رَحَّالُونَ فِي مسرِاهمُ الْيَوْمِيِّ مِنْ دَمِهِمِ الِى التَّذْكَارِ،
بَهِجَتَهُمْ صَهِيلٌ مِنْ غِنَاءِ الْعُزْلَةِ الْكُبْرَى،
وَدَمعتُهُمْ دُعَاءْ
الرَّائِعُونَ بِرَغْمِ عُزْلَتِهِمْ كَأَشْجَارِ الصَّحَارَى،
يُسْقِطُونَ الْوَقْتَ وَالْأَوْرَاقَ مِنْ أَجَلِ الْبَقَاءِ،
وَيَرْتَدُونَ الْخَوْفَ دَوْماً،
فِي انتظارِ الْقَادِمِ الْمَجْهُولِ فِي الْمَنْفَى،
وَأَمْطَارِ الشِّتَاءْ​

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى