محمد محمود غدية - شريان الحياة

اليوم جميل ورائع رائحة الهواء فيه طازجة، تتسلل الى الصدور بيسر، الأطفال يطاردون طائراتهم الورقية، بدا كل شئ مجللا باللون الأخضر حتى انه بدا من المستحيل ألا يستمتع المرء به، رغم أن القطار يسير فوق قضبان منتظمة، لكن لا يستبعد خروجه عن القضبان، وإنقلابه بعرباته وركابه، لا أحد يمكنه إيقاف القطار ومنع الكارثة، الحياة تمضى بنا وفق منظومة مدهشة شئنا أم أبينا،
لا تستهويه الستائر الداكنة، التى تلهو بها الرياح كما تلهو بسنواته الأربعين، تقترب منه الأرض دون أن تكون
هناك يد فى الإنتظار، لا يقوى على ترميم شظايا روحه المتناثرة فى دروب الصباح،
كل يوم يمتطى صهوة جواد الحلم صوب بساتين البهجة، تنتظره مواسم الجدب فى وفاة أمه، حبله السري وشريان الحياة، كانت تشيع الفرح فى أقصى لحظات القتامة،
غيابها موجع، مسكون بالقلق وهو يتناول وجبته اليومية من الأحزان المتضخمة، كانت تعرف كيف تفك شفرة أحزانه، يعتصر من الزمن الشحيح بعض قطرات تعينه على الحياة، حزم الضوء بدأت الإنسحاب خارج شرفات المستشفى، اللون الأبيض يكسو الجدران وأغطية الفراش وأردية الأطباء البيضاء فى لون الكفن، نبهته الممرضة أن المبيد الحشرى الذى تناوله كان شديد التركيز كاد أن يودى بحياته، كل يوم نفقد حبيب وعزيز
والحياة ينبغى أن تعاش، لسه فيها حاجات حلوة، حديثها اشبه بالمطر الذى يروي أرض متشقة من الظمأ، تمتد بطول قلبه وعرضه، هجمت عليه موجات مبهجة غسلته،
وزحزحت همومه بعيدا، يد الممرضة وهى تربت على جبهته أشبه بيد امه، خسارتها بحجم الكون والتى كانت ستتبعها خسارة أخرى وهى خسارته لنفسه، مازالت الكلمات
ترن فى مسمعه أن الحياة لسه فيها حاجة حلوة ينبغى العيش من أجلها .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى