محمد محمود غدية - تداعيات الغياب

-1-
أخذ يقفز درجات سلم المترو، ليلحق بها، يتأجج شوقه لها، مسحور ومجذوب، لصوتها وعطرها، لتلك الصحارى، التي تسحله إليها، وحدها تضمد جراحات الأيام، لها وجنتان رائعتان، يمكن للبيض أن ينضج فوقهما ببساطة، سيحدثها عن وحشة الأمسيات، التي مرت دونها، عن غصة قلبه، وملكوت نرجسها، عن جبالها الوعرة، التي لم ينجح حتى الآن في تسلقها، إستطاع القفز، داخل المترو، قبل غلق أبوابه الإلكترونية، أصبح في مواجهتها، لم تكن هى، تراجعت ابتسامته، وإمتقع وجهه، وغامت عيناه، وبردت أطرافه وإرتعشت، وغاب وسط الزحام.

-2-
إبتلعته الحوراي الضيقة، المتداخلة فى بعضها، يلف معها ويدور، حتى إنتهى إلى زقاق مسدود، هاجمته عتمة المدخل، ورطوبة الجدران، عيناه تنفذان إلى شيش شباكها، إطمأن لوجودها بالداخل، حين لمح تسلل ضوء شحيح، بين فرجات درف الشيش الخشبي القديم، طرق الباب ثلاث، لا أحد يجيب، ركل الباب بقوة فانفتح، لن يعاتبها على الغياب، سينبسط بينهما الحوار ويتمدد ويتشعب، كاللبلاب، فى بساتين الراحة، لن يتوقف عن سرد الحكايات، المتسكعة على سطور الذكريات، رائحة ضفائرها، موغلة بذاكرته، صرير الأبواب الموصدة، حجب تقاسيم وجهها.
إكتشف أن ذاكرته، هرمه تعبة، موبوءة بالصدأ،
أنه فى المكان الخطأ، تصفعه دروب معتمة، وأبواب موصدة، وجدران بادرة .

-3-
تدور عيناه في الإتجاهات الأربعة، ترصدان الأشياء المبعثرة هنا وهناك، وتحاولان التقاط النجوم المتناثرة، والمتساقطة من بين السحب، المكان غارق فى السكون، حين تغيب، تبدأ طقوس الوجع، تداعبه نسمة جذلة، فيطبق جفنيه قليلاً، ويمتطي مركبة الحلم، مستسلماً لسطوة حضورها الجميل، ما هذا الكرم الخرافي، والبساطة اللامتناهية، وروحها الملائكية، عيناها الجميلتان، تمتصان أحزانه، يفقد تماسكه وإتزانه، وهو يسألها، وهي البعيدة عنه :
أين أنت ؟
لتجيبه قائلة : أنها بداخله، لم تغادره قط .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى