د. محمد سعيد شحاتة - تهويمات

لا لحن يتسوَّرُ جدار القلب هذا المساء
ولا أغنية تعبر تخوم الروح
فالشتاء يتربَّص بالعابرين
ويضع المتاريس في كل طريق
وتلك التجاويف التي تمتلئ بالأشواك
حول المعابر
تتربَّص بالأرجل المتشقِّقة
من كثرة المسير
كل الزوايا مرايا
في زاوية يقبع ابن حنبل ينتظر الجلاَّد
وفي زاوية يحثُّ المعتصم الخطا
كي ينتصر لامرأة صرخت في أقاصي الأرض
ما أجمل أن يُنْصَر الضعفاء!
كان أبو تمام يتغنى بفتح عمُّورية
وكان ابن حنبل يتحدى الجلاَّد
الشتاء قاسٍ جدا
والأمطار غزيرة
لا أحد يتقبَّل أفكارا تعيد ترتيب زوايا الرؤية
ولا أحد يرضى أن ينسى تضاريس دروب
ترتسم عليها وجوه الأجداد
وذكريات الآتين من رحم الصحراء
قال النادل:
أحب السهروردي
وذا النون
وعائشة الباعونية
لكني أحتاج الحنطة
وأراوغ السيَّاف
لأهرب من مقصلة الآتين من رحم الصحراء
قالت شهرزاد:
السيَّاف لا يعرف غير القتل
قال الراوي:
زرقاء اليمامة تجيد العزف على أوتار الثأر
قالت إيزيس:
الأرض خصبة
لكن الزرَّاع مشغولون بترتيب ملابسهم
والديدان كثيرة
فكيف ينمو النبات؟!
هزَّ المغني عوده
فاسَّاقطت أوراق الأعمار
ولم تصدأ الخناجر التي تواردت عليها الدماء
ولم يقتنع مالكوها أنها حادة
فصاغوا القصائد في لمعانها
وجودة صناعتها
ودقَّة صانعيها
الشتاء قاسٍ جدا
والمرايا صدئت من كثرة الوجوه التي ارتسمت على صفحتها
ولم تعد الأمطار قادرة على تنظيف أوراق الأشجار
أو هدم المباني القديمة
هزَّ المغني عوده
فقال الحلاج:
“اقتلوني يا رفاقي
أنا في قتلي حياتي”
وتمتم الفقراء حين تدلَّى رأس الحلاج
قال الشعراء:
ما كان ينبغي له أن يخلع الجبَّة
ومضوا إلى قصر المقتدر يطلبون العطاء
كجذوع نخل خاوية
اصطفَّ الشعراء أمام ابن العبَّاس
وهو يلقي كلمته عن تدليس الحلاج
كان الجنيد يرتدي جبَّة جديدة
والفقراء يبحثون في التراب عن الدراهم التي ألقيت في الهواء
الشتاء قاسٍ جدا
ولا لحن يتسوَّرُ جدار القلب هذا المساء
ولا أغنية تعبر تخوم الروح

_________________________
ديوان: مقامات سيدي أبي العرفان - 2003م

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى