في المقهى يجلس الرجال والنساء للثرثرة. والثرثرة حديث على غير منهج، حديث بلا نظام ولا تخطيط ولا استراتيجيا بخلاف الحديث في كل فضاء آخر. حين أدخل المقهى صباحا أو مساء يغمرني إحساس بالخروج من النظام، في المقهى تسقط كل القوانين وتنكسر كل القيود وينطلق الناس في الحديث في كلّ شيء بهمس أحيانا وبأصوات عالية أحيانا أخرى. أحيانا نلعب الورق، عيوننا على الأوراق وألسنتنا في كل شأن، نجوب الفضاء الواسع بين ورقة وأخرى، وتختلط علينا صور الأوراق وصور المدن والأزمنة التي نقطعها. صديقي يقول لي: لقد أفسدت حين لعبت as على Dame، قلت لا. قال: العب قانونها. قلت: قانون من؟ قال قانون اللعبة. لكل شيء قانون. حتّى لعبة الورق لها قانون. وليس القانون بمعنى القواعد فهذا طبيعي، بل القانون هو أن تلعب دون إفساد أي أن تلعب وأنت تفكّر كيف تجني أكبر قدر من النقاط بأقلّ ما يمكن من الأضرار، والأضرار هنا نقاط لفائدة منافسيك. في المقهى نثرثر، نحلل ونناقش دون نظام وننتقل من السياسة إلى الرياضة إلى الدين إلى التربية دون ضوابط، ولكنّنا نلعب ملتزمين بالضوابط وفي حدود ما يسمح به القانون دون إفساد. حين أخرج من المقهى إلى الشارع يغمرني إحساس غريب: هل كنت في نظام أم في غير نظام. نادل المقهى القديم يقول لي: ذهب الزمان الجميل. انظر إلى هؤلاء، وأشار إلى الحرفاء، أغلبهم لا يُعطي المقهى "كارو" أي لا يلتزم طقوس الجلوس في المقهى. قلت: إذن؟ قال: كل شيء فسد. نحن اليوم في مقهى بلا طقوس. لقهوة الصباح طقسها ولقهوة المساء طقسها، للعب طقوسه، وللحديث في المقاهي طقوسه. وما بين النظام والطقس والكار فوارق لابد أن تعلموها.