د. سيد شعبان - امرأة الببغاء

بعضكم لا يعلم بذلك الحادث الذي تعرضت له؛ كنت أتحدث كثيرا؛ أخرج زائدتي الدودية التي تسكن فمي، تلونت بألوان الطيف السبعة، أتعاطى أدوية تقلل سيلان اللعاب، أبدو ببغاء غريبا؛ أتراقص في جنبات الأمكنة العطبة ألوك العبارات الغريبة ساعتها يراني زملائي عبقري زمانه.
الآن لم تعد لي غير تلك الأصداء تدق في أذني؛ يتندر علي الذين عرفوني؛ بعضهم يبدو شامتا، لقد تفوقت عليه في تلك الحالة المرضية، يأتي أحدهم ويلوك مفرداتي الأثيرة؛ يهزأ في سخرية لا يمكن وصفها، حين جاء الطبيب المعالج وجد أن مشرطه الأجدر في انقاذي من الموت، نظرت إلي زوجتي بعين تملؤها الحسرة؛
ثم قالت: لن تجد خبز يومها، ترى من سيذكرها بامرأة الرجل الببغاء؟
يتملكني الفراغ القاتل؛ فقدت حرفتي التي أرتزق منها؛ لم يأبه أحد بما جرى لي؛ كثيرون امتهنوا الرغي ولوك الأخبار الكاذبة؛ لن تصدقوا ما سأحكيه لكم؛ لقد استعارت لساني، ليس هذا بغريب في زمن العجائب؛ تتخفي داخل ثيابي، تنتعل حذائي، تهمهم بنفس مفرداتي؛ استطاعت أن تملأ البيت خبزا وعسلا؛ لم تكتف بهذا بل صارت تدير معملا قوميا يقدم وجبات رغي مجانية.
في الحقيقة لم يكن بلاثمن؛ استطاعت مقايضة شائعاتها بتذاكر سفر ووجبات طعام فاخرة وأدوات زينة جعلت منها أنثى لا أعرفها؛ إنها رغم كل ما تحصلت عليه من وجاهة لم تفكر بأن تستبدلني بآخر؛ ربما لأنها وجدتني مطيعا لايمكن له أن يعترض على نبوغها أو ألوان ثيابها.
تملكتني الحسرة وهزأ بي كساد سوق العمل؛ أكتب لها وشايات اليوم؛ أدون لها مفرداتي مشفوعة بالتقدير والامتنان لموهبتها النادرة؛ إنها تقدم للوطن أعظم التضحيات، تثير في حياتنا أجواء تفائل مغرية؛ حبة القمح تزن مقدار واحدة بل اثنتين من حبات المانجو التي كانت يوما تتدلى كلمبات الإضاءة من الشجرة الكبيرة تربض أمام بيت أبي ذي الأحجار العتيقة؛ ليتني استمعت لنصحه بأن أمسك بالفأس وأدون كل يوم لوحة جميلة تروى بعرق الآباء، ستحلب الأبقار ألبانا ذات ألوان.
بدأت تستعرض مهارتها التي أعترف أنها تفوقت علي كثيرا؛ فالمرأة تستطيع سرقة عيون المشاهدين؛ أغرب ما فعلته أن لقبت نفسها بالببغاء؛ لم تمض فترة حتى صارت نجما تحتفي به المنتديات والصحف ذات الألوان البراقة؛ في لقاء معها ادعت أنني أحسدها على ذلك الثراء الذي لامثيل له؛ صفحات التواصل الاجتماعي تحتفي بها كثيرا؛ لديها تنبؤات بحالة الطقس وموسم تزاوج القطط؛ يحتفي بها في المطارات تخرج من صالة كبار الزوار؛ يمدون لها السجادة الحمراء؛ تحرسها جهات غريبة، تطالبني بأن أتبعها في كل جولاتها؛ حين أمتنع تخرج في تبجح وتلقي اتهاما قد يقودني إلى مشرط الطبيب مرة ثانية؛ حذرني الطبيب بأنه سيجري لي عملية قذرة؛ تضحك من تهديده؛ فقد مضى زمن الفحولة؛ يوم أن صرت ببغاء يردد كل ما يلقى في جوفه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى