جاكلين سلام - حكمة الأشجار..

الأشجار لا تذهب إلى الحرب
الأشجار تصبح قلماً لكنها لا تصبح سيفاً. الأشجار تصبح مقعداً رحباً للعابرين، لا تصبح دبابة. الأشجار تصبح كتابا، لكنها لا تصبح صاروخا
إرحموا الأشجار
الأشجار تدمع، الأشجار تشيخ. الأشجار تنوء بحملها ولا تورثه لأولادها الشجيرات. الأشجار ليست يتيمة، وليست تميمة، ليست ساحرة وعليها نعلق ما تبقى من سيرة الخصب. الأشجار تنتصب وترانا حين نغادر البيت، نرحل غصبا عنا، وحين نموت على غفلة، وحين نُقتل على عجلة. الأشجار شاهدة وتحفظ سيرة الحرب. سيرتنا نحن البلهاء الذين لا نعطي ظلاً بلا مقابل ولا حضناً دون وعد بجنة و دولارات. نحن المدججين بالنظريات الخبيثة والمثالية، المدججين بالعبارات الملائكية والأحكام المسبقة الصنع
...
حديقة أمي لا تذهب إلى الحرب
حديقة أمي لا تنام، وحين نستيقظ في الصباح تستعير منا قطرة ماء لتغسل النهار من الدم العالق على أطراف ثوبه.
حديقة أمي تنظف ثوبها من غبار الحرب
أكبر جريمة بحق الشجرة، أن يربط إنسان إلى جذعها كي يموت
الأشجار لا قائد لها، لا حزب ولا طائفة
الأشجار لا تردد تحية العلم، لا تحفظ سطراً واحداً من كتب الديانات كلها، ولا تقاتل أحداً. الأشجار سلطة جمالية.
الأشجار تكتفي بالأسماء التي نطلقها عليها، وتكتفي بثمارها التي لا تحتفظ بها لنفسها. الاشجار تنكمش على نفسها حين نهرب من الخوف ومن الحزن ومن الحرب
تبقى الأشجار حين نعود، ترفرف بأغصانها ولا تطير من الفرح
لا تسألنا عن الجنسية التي نحملها حين نعود
حديقة الدار لا تذهب من الحرب. أشجارها لا تهرب وتتركنا وحدنا. تحاول الثمر، وتحاول الاخضرار وتعدنا بالأكسجين. تنقي الأجواء من رائحة الموت وتفسخ الجثث. أزهارها لا تتأخر عن العطر. حديقتنا تعرف رائحة الموت، وتصبح بيتا للعصافير، وتأذن لنا أن نعلق أحلامنا أرجوحة فوق جذعها
حديقة الدار ترتجف
من الخوف والرعب ولكنها توحي لنا بغير ذلك، توهمنا أنها ترقص مع الريح طرباً، ومع النسيم تتمايل لنعلق عليها بقية الأمل. الاشجار تهبنا ظلها، ولا تشتكي من الوقوف طويلا. أشجار بيتنا لا تصاب بالروماتيزم مع التقدم بالعمر، ولا تصاب بارتفاع ضغط الدم، ولا تأخذ مسكنات لقتل الألم. الأشجار تصدر أصواتا وهمسا ونحن الجهلة بأسرار الغابات والحياة لا نفهم ما تقول. هي الأشجار تعرف كم نحن فقراء حين نقف قبالتها حفاة من الأمل ومن الظلال، عراة من الربيع ومن الحب. الأشجار في حديقتنا تعطي ظهرها مسنداً للقاتل والمقتول
الأشجار السورية تبكي يا أمي
الأشجار تعرف طفولتنا وكم تعثرنا بجوارها، وكم سرقنا من أغصانها، وكم سرقنا من ثمار
تعرفنا عراة
وتتستر علي نواقصنا
تواظب الجذور انغماسها عميقاً في قلب الأرض
...
قالت الأرض للشجرة السورية: كم أنت ابنتي!
أجابت أشجار الكون قاطبه: يا أمنا الأرض، سلاماً سلاما


جاكلين سلام

ــــــــــــــــــــــ
* نص من مجموعة "جسد واحد وألف حافة" عام 2016. في هذه المجموعة فصل من عدة قصائد عن اثار الحرب على الانسان والطبيعة والعشق.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى