... ومن دونهما عصفوران يشقشقان من روعةِ المكان وشدةِ الفرح، لونهما مثل لون جسديهما الغضين، قال لها :لاتعجبي من فرحة طائرين بجناحين؛ ربما من فرحهما سيطيران بالحُبِّ ويتركان لنا النظرات، قالت ياليت لنا جناحين فنهرب مثلهما من الأرض حتى نستلذ بالحب في الجو، قال لها دعينا على الأرض فأنا أخشى أن أهوي من علوٍّ فيموت الحب، قالت ويح قلبي، لنبقى على الأرض وننتظر ماذا يفعل العصفوران الرقيقان ، امتلأت السماء بالغمام واسودَّ الفضاء فهربت كل العصافير من زخات المطر نحو الأعشاش القريبة وبقي اثنان يبحثان عن مخرج، لم يجدا مكانًا غير الاختباء قريبًا منا، قال لها هل رأيتِ صِدقَ كلامي، إنهما يغردان في صمتٍ والبردُ قد سلبهما طاقةَ المشاعرِ ، بدتِ السماءُ صافيةً بعد اسودادِ الغمام ، عاد العصفوران لحالة الانتشاء، قالت له لن يفكرا ثانيةً في الهرب من الأرض إلى الجو، قال لها لا أظن ذلك؛ فالسماءُ هي الأرضُ لهما ولا يسكنانها إلا إذا رجف قلباهما وحلَّ الاخضرار ، رجفَ قلبها ومالت عليه ، أخذ بيدها وانطلقا مهروليْن قبل أن يطير العصفوران ، عاد الغمام وهطل الهتان من جديد ، وجدا ملاذًا يستظلان فيه من الهواء البارد ، سمعا من على سطح الملاذ صوتَ الطائرين يغردان فوقهما، قالت ألايخشيان البلل؟! دعنا نخرج لنغرقَ جسدينا مثلهما ونحاكيهما في التغريد ، أَذعنَ لها، انتهتْ زخاتُ السحاب عليهما ولازالا يجففان بقايا الغرق.