ياسر جمعة - سريره الضيق

يستيقظ على صرخة من كان يقتله في الحلم، فيعتدل، في الظلام الشفيف، ويشرب الكثير من المياه من زجاجةٍ صغيرةٍ تجاور سريره دائمًا، ويفكر أن ينام مرةً أخرى، غير أنه يخشى أن يعود للحلم، كما يحدث غالبًا، فيتأكد أن من قتله هناك كان ابنه، لذا يقوم وهو يشعل سيجارةً، يمشي إلى النافذة، وقبل أن يفتحها يعود إلى السرير ويقرأ، للمرة الخامسة، آخر رسائل حبيبته، التي لا تعلم أنها كذلك، من الواتس آب، ويتوقف عند جملتها "يخطفني الحزن مني" كما كل مرات القراءة السابقة، ويرغب لو يستطيع أن يمحوها، أو أن يبدلها بجملةٍ أخرى، وعندما يعيه البحث، يكبِّر صورتها، وينظر طويلاً إلى العين اليمنى، التي أخبرها سابقًا أنها طيبةٌ -هل أخبرها، أم يتخيل ذلك الآن؟- ثم ينظر إلى الفم الدقيق، والذقن المدببة، ثم إلى الأنف المستقيم وبين الحاجبين الكثيفين، ثم يعيد الصورة إلى حجمها الطبيعي، ويركن الهاتف إلى الوسادة، ويبتعد خطوةً.. اثنتين.. ثلاثًا، يبهجه أن وجهها هو النور الوحيد في الغرفة، ويقرر أن يرسل لها على الواتس آب:
- أنت النور الوحيد في حياتي.
وينتزع بهجته سؤالٌ يشق قلبه:
- كيف ستستقبل هذا مني؟
- ستسعد.
تقولها نفسه، فتظلم شاشة الهاتف، يشعل سيجارةً أخرى ويفتح النافذة، وهناك يبقى غارقًا في أفكاره والنظر إلى السماء الغائمة حتى يفاجأه الشروق والرنة الخافتة للرسالة:
- حلمتُ بكَ.
يخفق قلبه، وينتظر بشوقٍ ما تكتبه، وبعد دقائق يصله:
- رأيتك في غرفةٍ مظلمةٍ، ليس بها بابٌ ولا نافذةٌ، وكنت تملك كلمتين.. إحداهما، والتي كنتَ ترددها في إصرارٍ عجيبٍ، كانت هي السبب في محو الباب والنافذة، والأخرى، التي كنت أعرف، بشكلٍ ما، أنها من سيعيد الباب والنافذة، ولأنك الوحيد الذي يعرفها، رحت أصيح فيك أنْ قل الكلمة الثانية، ولكن صوتي لم يكن يصلك أبدًا، ولما حاولتُ أن أهدم أحد الجدران بكفي، وجدتُني داخل الغرفة المظلمة، ولم يكن يصلني غير ضحككَ المخيف، الذي أيقظني الآن.
يكتب:
- صباح الخير.
ويجلس لاهثًا، فيصله:
- صباح النور، أنتَ بخير؟
يكتب:
- لا أعرف.
ويحذفها سريعًا، ثم:
- بخير.
يصله:
- أنتَ لوحدكَ؟
- لا.
يرسلها سريعًا كي لا تطلب منه أن تأتي إليه، وقد رأى، بعين خياله، أنها أتت، وأنه حممها بيديه كأنها طفلته، ثم أكلا وتحدثا كثيرًا.. كثيرًا، وأنها جعلت سريره الضيق يتسع ما إن ضمته فيه، غير أنه، ما إن تكورت في حضنه، وهي ما تزال عاريةً، خنقها حتى لفظت آخر أنفاسها، كما حدث تمامًا مع المرأة التي تعرَّف عليها أيضًا من الفيس بوك منذ مدةٍ، وكما حدث مع كل امرأةٍ عرفها قبل ذلك، واللاتي كن يحلمن به، وهو مسجونٌ في الظلام أيضًا، لذا راح يكتب مضيفًا:
- لا، معي زوجتي وابني الرضيع.
مرفِقًا جملته هذه بصورته، قبل خمسة عشر عامًا، مع زوجته التي كانت في منتصف حَملها، والتي أخبرته، معتذرةً، في صباحٍ حزينٍ مثل هذا، أنه ليس ابنه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى