محمد محمود غدية - نيولوك

هرب من ضوضاء العمل وتكدس الملفات، ونفاق السكرتارية المفتوحة أفواههم طول الوقت، على إبتسامات بلهاء باهتة،
إختارته أبعد طاولة مهملة بالمقهى، جاءه النادل بقهوته المعتادة، يحتسى قهوته متلذذا، مقلبا فى ذاكرته عن أمسيات طيبة حلوة، ذهبت مثل كل الأشياء التى تذهب، حين كان يصحو على إبتسامة زوجته، وإفطارها الشهى، ودعواتها له بطيب أوقاته وطول العمر، يقول لها من بين ضحكاته : العمر الطويل لك، لكن العمر لم يطل بها، وتركته وحيدا تنهشه الذكريات،
تتحجر فى مقلتيه الدموع، يتأمل وجهه فى مرآة المقهى، زحف البياض بشعره وتجاعيد الخمسين، إنه أمام صور ثلاث، الأولى صورته فى المرآة،
والثانية كما يراه الناس،
والثالثة فى ما يتمنى أن يكون،
لم يستطع التخفف من أحمال السنين ووجع الغياب، لديه هاجس للتغيير من نفسه وعمل نيولوك جديد، العالم من حوله يتغير، إشترى بدلة جديدة كاجوال، لم تعد تناسبه البدلة الكلاسيك، التى إشتراها للزفاف، وشاركته العديد من المناسبات، بعد أن بهت لونها الرمادى، مدير الشئون القانونية الذى يماثله فى السن، إرتدى الملابس الملونة، وصبغ شعره الفضى، باللون الأسود، ماالضرر لو فعلها، يفعلها كل يوم الفنانين والفنانات ورجال السياسة من صباغة للشعر، وتجميل وشد الوجه، وتصليح بروز الأنف والفك وغيرها، سيكتفى فقط بصباغة شعره،
فى العمل إستقبلوه باإستهجان وإستغراب وهمز ولمز، أستشعره فى نظراتهم الحادة كنصل سكين، أراقت دمه، فى اليوم التالى قرر إزالة صبغة الشعر، مودعا النيولوك والكاجوال،
بعد أن أيقن أن لكل سن جمالها .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى