محمد محمود غدية - مداهمات الوجع

الحياة لا تعرف البذخ والرأفة، جاءته فرصة السفر لبلاد الثلج والضباب، وهو الطبيب النابه الساعى للرزق، والرزق قليل لا يكفى، ترك عروسه بعد شهر وسافر، تذكر قول الشاعر أمل دنقل :
كل الأحبة يرتحلون / فترحل شيئا فشيئا / من العين ألفة هذا الوطن
يستشعر نداوة هواء بلاده فى رئتيه، تتبعه المدن، وجد عملا فى أحد الفنادق بعد أن طوى شهاداته، برقية من زوجته تخبره فيها بحملها، تتقافز السعادة حوله ويكاد يلمس السحاب والنجوم من الفرح، النساء حوله مصقولات متوهجات جميلات، ومع ذلك لا يرى غير زوجته، التى مازالت تحمل عبق الخوخ والبرتقال،
لا أحد فى مقدوره ان يفهم سر الحياة، ولا معرفة الغاية من تصاريف القدر، تصريح الإقامة أوشك على الإنتهاء، أشار عليه البعض بضرورة زواج المصلحة من أجنبية، للحصول على الجنسية والإقامة، نظير مبلغ من المال للزوجة المؤقتة،
فى مكتب توثيق العقود، طلب منه شهادة طبية تفيد خلوه من الأمراض، واثناء الكشف والتحاليل والفحوصات، كانت تنتظره مفاجأة مروعة، كشفت عنها التحاليل أنه عقيم غير قادر على الإنجاب !
سقط على الأرض من هول الصدمة، أعانه البعض وهو يتلمس طريق الخروج من المستشفى، غير مصدق نتيجة التحاليل، كرر التحاليل فى أكثر من مستشفى، والنتائج واحدة، يحتفى به الألم بين سخرية الأقدار والمدينة الفاضلة التى أسس لها إفلاطون، تعنى المكان غير الموجود الذى يخلو من شرورالبشر وبشاعتهم، الأمكنة التى كانت تتبعه، تضافرت لإلتهام روحه القلقة، وتكتب الأقدار السطر الأخير فى رواية لم يؤسس لها، أن يبقى غريبا منفيا فى بلاد الثلج والضباب .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى