رضا أحمد - بنت تحمل كتاب الموتى...

كم هي مربكة محنة الليل؛
أفتح حواسّي على آخرها
وأستعيد تجربة كوني مشعّةً
بعيدةً ووحيدةً!
1-
أدرك أنني أصف حياتي على نحو عادل؛
أدفن وجهي تحت صفحة بيضاء
وأدع كل امرأة ضجرة
تطلب من رجلها أن يشتري لها هذه المأساة.
ذاكرتي السّخيفة
حملها مَلاك إلى السّماء في أجندة؛
والرب يعيد قراءة ما أكتبه ويحاسبني أنا
التي لا تُعدّل مطلقًا وضع حجر
قذفته في القصيدة.
أذهب بكَ أبعد مما تتخيل؛
في المقبرة أنتَ لست وحيدًا،
في المرآة قد تتفهم كيف تبادلك ملامحُكَ العداءَ
وعندما تحيط بكَ الجدران
قد أكون الشرفة
التي تتحدث عن غيابك بقلق وثقة.
2-
سمعت عن الحياد الذي يقتل بمحبّة
دون أن ينتهك خيار الموتى في النّوم المضطرب
والنظر بوجل إلى المعزّين
وهم يتبادلون بطاقات المناصب والأسماء،
سمعت عن نشارة الزجاج
التي غرفت تاريخًا من طعم البحر والصّخر والريح
ومع هذا تلتصق بكَ في العراء
كذاكرة مهجورة وخائفة،
وسمعت أغنية وطنيّة ألقوها في قلبي
كذريعة صارمة تطوف حول كل سجين
كي لا يهرب من الحبّ والفقر والحروب.
داخل السّياج تنمو طفولتي الخائفة؛
هنا شابة تحمل كتاب الموتى
أذكر كيف كنت أخنقها
لأربح ابتسامة رائقة من أمي ومباركة أبي.
في المسيرات الصامتة
ثمة مكان لشخص إضافي
ودعوة مكفولة بأمانٍ مريب؛
حين قال القط:
علينا بالثورة ضدّ هذا الفلاح؛
ضربتني زوجته بالأمس لأني حاولت أخذ سمكة
أسكتُ بها جوعي.
ردت دجاجة:
ربما أنتَ محقّ؛
لكني لا أستطيع التحدث في السياسة
وفمي ممتلئ بالحَبِّ.
3-
ليس ثمة حقيقة؛
الأبواب لم تكن إجابة البيت الوحيدة عن ساكنيه.
من الحجارة صنعت كلّ شيء
حتى تلك النقود التي أخفيتها في جرة المش
وحين وددت أن تترك شيئًا قيمًا يا جدي
تركت الأساطير تجري على لسان جدتي؛
تهدم الدار
بِيعت الأرض
وظلت تنتظر من السماء كثيرًا من الأحفاد
يمضغون القصب بجوار السواقي،
يتسلون بحصى السيجا
ويتعلّلون بحبّ نجمة جافّة توقّف عندها الزمن
ولا تمطر أمنيات،
لم يسرق أحدهم الحكايات من قلبي
ولم أنتظر معهم
وأتتبع ميراثي من الطمأنينة واليأس.
راقبت ظلّيَ يتكلس لرجال قُسَاةٍ
ورائحةً تشبه الطّين الطريَّ
تطارد كوابيس البكارة في أنفي
وعيونًا مختنقة بنحيب
تتساءل عن بنت قديمة خدعتها
وكبرت
دون مكسبات طعم ولون وملمس يفترسكَ.
كلما تمزّق ثوبها
صعدت النّشوة برجل
وهبط مَلاك يبحث عن حقيقته في كتاب.
ظلي
أعزلَ ووحيد
رغم هذا يمضي خلفي بثبات دائم بلا خوف؛
أخشى أن ألتفت مرة فيطعنني.
تبّا لكل الظّلال
ما لم تأت الشّمس وتطوف حولي
تبا للنّوارس
ما لم ينم البحر خاشعًا في حضني
وتبا لحياتي
ما لم تسرق الملائكة قبضة من روحي
وتنثرها كنبوءة في عيون الناس.
4-
ما جدوى الشمس الآن؟
تُرى ما حكاية الظلام الذي يغيب
عندما نحتاج إليه؟
أستطيع أن أبدي اهتمامًا بقصيدة
تربي داخلها القبلات كحبكة درامية
في حين أنه عليكَ انتظاري تحت السّلّم
أو التظاهر بالموت.
خارج البيت
قبضة من رحيق زهرة ذابلة،
كلب ينبح على ظله؛
وأحدهم يتطلع في سأم إلى السماء
ولا يعتقد في الخلود.
لأني قطعة من يأسك
لا أجيد قراءة الفخاخ
المنصوص عليها في طالعكَ؛
أتابع الطريق
أزرع لكَ الأحاجي بالمرايا
لتجدك دائما
وحيدًا وأنفكَ المتطفل في متاهة الدنيا.
ولأنكَ هذا الولد
الذي لم يدرك المجازفة الخطرة
تحت شجرة البداية لقاءَ قُبلة؛
لم يعطك الله الوقت اللاّزم
لتلفّ مخاوفكَ مع الطين على هيئة أنثى.
رسائلكَ؛
قوالب حلوى
تقضي الأيام محرومة من ملاطفة سكّيني،
من مذاق شفتي وطراوة لساني
وسيل العفن الذي تنتظره
كلما انفلتت من بين أسناني المهشّمة.
رسائلي؛
لحم يبطن يدكَ التي طالما صفعتني
ودفعتني برفق نحو الهاوية؛
تلك المحفة السّحرية حملت عظامي إلى قلبك
وهناك لم أجد وجه امرأة يُلازمني
أو شاهدَ قبر يعترف بجثتي،
كنت أقرب إليكَ من الألم والخوف
أدور حولكَ كقمر مشطور بنصف عمر
وأهرب بكَ
كدمية قشّ تخفي إبرة الشّمس بين فخذيها
وتغوي من يفتش جسدَها بخبرة وحبّ
ليعثر عليكَ فقط.
طابع البريد
كان في حاجة إلى دمعة صادقة
ليلتصق أكثر.
الغرباء
يحبّون تهجئة نواحنا إلى أرامل وحيّات
يريدون شيئًا من أرواحنا كتذكار،
طالما أردت صياغة حياتي بشكل مقنع؛
هل أثر عضّة على طرف لسانكَ الآن
يكفي لجعلي خالدة؟
أنا سخيفة حقًّا؛
واحدة ممن غضّوا أطراف أصابعهم
عن أخذ الرحمة
حين أفرطت في تناول الموت وجبة بعد وجبة
وتسللت هاربًا إلى المغيب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى