لا أعتقد أنني أنهيت كل الحكي الذي اختزنته ذاكرتي؛ ثمة تشابه بيني وبيني العم ماركيز فكلانا أمسك بقلمه ودون ما كان جميلا، لا أدري إن كان ذلك الكلام الذي ألقت به جدتي في سنوات عمرها التي امتدت مايقارب قرنا يصلح لأن يسمع به الصغار ممن لم يشاهدوا النيل يفيض حتى يغمر كل القرية، لم يعد أحد يتذكر أشجار الكافور والجميز وذقن الباشا تحرس الجسر من أن ينهار، كانت ماكندو قرية ماركيز غافية في عزلة امتدت مائة عام، استطاعت جدته أرسولا أن تنسج حكاية من وجوه العابرين في حياتها، يدور خلفها يتسمع ما تقصه، يبدو أن الجدات يورثن الصغار حكاياتهن خشية أن يضربهم النسيان، بنت حلوة شعرها طويل كما النهر يتماوج فيراقص أشجار الصفصاف، هل تخشى الفتيات الغيلان من بني الغجر يفترسنهن ومن ثم يندثر حلم البراءة الأولى؟
لما تنقضى حكاية الجنرال والبنت الجميلة، يطارد العصفور الأخضر حتى لايزقزق لها أغنية الصباح! تفعل الخضراء جدتي نفس الشيء دون انقطاع، يسرح خيالها بعيدا حتى أكاد أجدني درويشا في مقام أم هاشم أو جنديا مع عرابي في التل الكبير ومن ثم أبصق على خنفس الخائن، بلغ بي الحمق أنني ظننت أن محمد علي الكبير قد يسمح لي بأن أتوسط أريكته، كيف لجدة لم تخرج إلى مصر عتيقة إلا مرة أو مرتين راكبة قطار المناشي أن تأتي بكل هذا الحكي، أخبرتني عن الفرعون واقفا في باب الحديد يضرب بقبضة يده، حتى أن أبا الهول أقعى تحت قدميه، تخيلوا كثيرا ما حدثتني عن الذين يمسكون بمفاتيح يدعون أنها للجنة ومن يدفع يشتري قيراطا أو قيراطين، كل هذا وهي آخذة أمي إلى مستشفى الكلب، يبدو أن حكيها أصيب بالمس، هكذا أمسك بي الرجل الأسود حيث ألف اتهام بأنني أحد الذين يحجبون شمس أيلول!
كثيرا ما أقسمت له بأنني بلا يدين، ما يشاهده ملتصقا بكتفي لايعدو أن يكونا عودي مذرأة القمح العتيقة شدت بها أمي على جسدي، لكنهما للعجب تحولا إلى لحم وعظم.
ثمة رسالة وجدتها في خزانة جدتي، تفحصتها جيدا، ياللعجب كانت بتوقيع الجدة أرسولا، ثمة تاريخ عتيق يعود إلى خمسين سنة هكذا العنوان: من ماكندو إلى كفرمجر عبر بحر الظلمات الجدة أرسولا إلى الجدة خضراء!
ومن يومها تتذكر النسوة ذلك الخطاب الذي جاء بعلم الوصول، غير أن جنرال ماكندو أوصى جنوده أن يحبسوا سعاة البريد!
، هل كانت جدتي تؤاخي جن سليمان؛ فيأتونها بأخبار الجدة أرسولا؟
أو لعل العصفور الأخضر حملها إليها قاطعا بحر الظلمات!
على أية حال صورة الجنرال يمتطي صهوة جواده الأسود وقد تقاطر الدم من سيفه، يتملكني الفزع، أتحسس رقبتي، صوت المذياع يدوي في الميدان: عما قريب يدخل الجنرال متاهة آخر الزمان!
لما تنقضى حكاية الجنرال والبنت الجميلة، يطارد العصفور الأخضر حتى لايزقزق لها أغنية الصباح! تفعل الخضراء جدتي نفس الشيء دون انقطاع، يسرح خيالها بعيدا حتى أكاد أجدني درويشا في مقام أم هاشم أو جنديا مع عرابي في التل الكبير ومن ثم أبصق على خنفس الخائن، بلغ بي الحمق أنني ظننت أن محمد علي الكبير قد يسمح لي بأن أتوسط أريكته، كيف لجدة لم تخرج إلى مصر عتيقة إلا مرة أو مرتين راكبة قطار المناشي أن تأتي بكل هذا الحكي، أخبرتني عن الفرعون واقفا في باب الحديد يضرب بقبضة يده، حتى أن أبا الهول أقعى تحت قدميه، تخيلوا كثيرا ما حدثتني عن الذين يمسكون بمفاتيح يدعون أنها للجنة ومن يدفع يشتري قيراطا أو قيراطين، كل هذا وهي آخذة أمي إلى مستشفى الكلب، يبدو أن حكيها أصيب بالمس، هكذا أمسك بي الرجل الأسود حيث ألف اتهام بأنني أحد الذين يحجبون شمس أيلول!
كثيرا ما أقسمت له بأنني بلا يدين، ما يشاهده ملتصقا بكتفي لايعدو أن يكونا عودي مذرأة القمح العتيقة شدت بها أمي على جسدي، لكنهما للعجب تحولا إلى لحم وعظم.
ثمة رسالة وجدتها في خزانة جدتي، تفحصتها جيدا، ياللعجب كانت بتوقيع الجدة أرسولا، ثمة تاريخ عتيق يعود إلى خمسين سنة هكذا العنوان: من ماكندو إلى كفرمجر عبر بحر الظلمات الجدة أرسولا إلى الجدة خضراء!
ومن يومها تتذكر النسوة ذلك الخطاب الذي جاء بعلم الوصول، غير أن جنرال ماكندو أوصى جنوده أن يحبسوا سعاة البريد!
، هل كانت جدتي تؤاخي جن سليمان؛ فيأتونها بأخبار الجدة أرسولا؟
أو لعل العصفور الأخضر حملها إليها قاطعا بحر الظلمات!
على أية حال صورة الجنرال يمتطي صهوة جواده الأسود وقد تقاطر الدم من سيفه، يتملكني الفزع، أتحسس رقبتي، صوت المذياع يدوي في الميدان: عما قريب يدخل الجنرال متاهة آخر الزمان!