جمال الدين علي الحاج - صانع محتوى

- خيبة الله عليك
- أخفض صوتك يا أستاذ لا تفضحنا..
قال بصوت مبحوح وقفز من مكانه لملاقاتي. يجلس عبده في مدخل زقاق سوق الخردة؛ عادة يكون منهمكا في شأنه خلف مكتبه؛ من خلف النظارة الطبية يختفي شبح عالم أو مخترع ويبرز مكانه وجه نحيف أسمر؛ لوهلة يبدو لك شاب في الثلاثين؛ لكن عندما تقترب منه وتخاطبه؛ يرفع النظارة؛ يضعها على مقدمة رأسه الأصلع؛ حينها فقط يمكن لك أن ترى بوضوح ذلك القلق الذي يظهر في عيني كبار السن. لم يسبق لعبده الزواج من قبل؛ ولأنه يهتم كثيرا بمظهره؛ ثمة همس في السوق أنه مثلي؛ لكن لا يوجد تاكيد على ذلك. عبده نشأ في سوق (سلبونا) عندما كانت المحلات تبنى من الحطب و تسقف بالخيش والحصير؛ نشأ وفي ذهنه وشعوره الداخلي أن ثمة كائن موهوب يقبع بداخله و لكن الظروف بنت الكلب لا تساعده في الخروج حسب قوله.
في محاولة منه لإخراج ذلك الكائن؛ جمع عبده بعض البارود من نفايات أحد المصانع؛ وصنع منه ما سماه فحم السرور ولا أدري كيف أقنع المرأة الطيبة المكافحة حواء بائعة الشاي أن تضع منه على الموقد قبل أن تشعل النار و تضع ابريق الشاي الكبير. بيد أن أخطر محاولاته وآخرها على الاطلاق حسب كلامه عندما قرر عمل خلطة لتفتيح البشرة لبائعات التسالي والفول المدمس أمام نادي المشاهدة من عجينة الذرة المخمرة مع مسحوق الفحم وقطرات من زيت السيارات المستهلك؛ بطلب من إحدى بائعات مواد التجميل في سوق (أنقولا العشوائي) الذي نبت كالدمل على خاصرة سوق سلبونا من الجهة الغربية.
كيف ينجو عبده من كل ذلك؟ يضحك ويقول (عمر الشقي بقي). ذلك اليوم والسوق مبتهج بزواج الصبي فريني و وردة. همس عبده في أذني.
- هذه البلد يا أستاذ لن تتقدم خطوة للأمام طالما أن الناس زمنها فارق.
وأشار إلى مجموعة من الفتيات والفتيان يرقصون: وراح يشرح لي طيلة الحفل فلسفته التي توصل إليها بعد تجارب ومراقبة دقيقة لحركة السوق.
ألا ترى يا أستاذ انهم يفتقرون إلى الحس. دار حول نفسه. وأضاف. الهارموني بين النغمة وحركة الجسم مفقود أثناء الرقص.
في الصباح وجدته يجلس إلى طاولة صغيرة كتب عليها بخط ركيك عبده الساعاتي.
مع موجة الاتصالات التي ضربت سوق سلبونا; مسح كلمة الساعاتي كتب مكانها. عبده فون. مهندس صيانة وصانع محتوى. و في الاسفل وعلى استحياء تظهر بلون أحمر كلمة عبارة. الظروف حكمت علينا. قال إنها إشارة إلى أن هذه المهنة ليست مهنته. أصلح وضع نظارته و أضاف. و هنا يتشكل وعي لدى الزبون أن الرجل الأصلع النحيل الذي أمامه لابد أنه يحمل شهادة جامعية من أرقى الجامعات فيتعامل معي بذوق ويدفع لي كما يدفع أجرة طبيب الأسنان.
هذا قبل أن تصحو الصباح شاشات الهواتف في السوق على فضيحة مدوية. فضيحة جعلت عبده ينزوي داخل زقاق الخردة. حتى أنني اضطررت أن أصرخ وانا أنادي عليه حتى أجده..
- أخفض صوتك يا أستاذ لا تفضحنا.
- خيبة الله عليك يا عبده ماذا فعلت.
كله كذب. فبركة وتلفيق من أعداء النجاح.
- أفهم من كلامك أنك بريء وأن الفتاة التي ظهرت في المقطع هي التي استدرجتك!.
- ولد يا أستاذ؛ وليست فتاة.
- أستغفر الله ... خيبة الله عليك.
_ أرجوك يا أستاذ اهدأ أجلس وسأحكي لك القصة. أرجوك. سحب لي كرسي قديم مصنوع من البلاستيك من الخردة وأجلسني بجواره.
منذ فترة تعرفت على فتاة في الفيس قالت أن اسمها شعاع؛ تعيش مع أسرتها في دبي وما لبث أن أصبحنا صديقين. شيئا فشيئا دخلنا في الغريق ثم فجأة انتهى كل شيء.
- لم أفهم ماذا حدث.. ماتت؟
- لا. يا أستاذ.. تبخرت.
_ وما دخل هذا الموضوع بالمقطع المخجل المنتشر لك في الوسائط.
- شعاع هو نفسه الولد أقصد فتاتي. وهو نفسه الذي فبرك الفديو وقام بنشره.
- ولماذا فعل ذلك؟
في الآونة الأخيرة بدأت أشك وانا اطلب منه أقصد منها أن نلتقي وهي تعتذر تارة وتتحجج تارة أخرى. حتى تفاجات بأنها تطلب مني فدية بالدولار والا ستفضحني. ما شاهدته قالت أقصد قال إنه المناظر فقط. وأخبرني أنه ولد واسمه. صانع محتوى.
- أخبره أنك لا تملك المال.
- كيف وأنا أفهمتها أقصد أفهمته أنني أدير شركتي الخاصة في مجال ريادة الأعمال؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى