د. جورج سلوم - جريمة إلكترونية

وقال لمساعده الذي يشاركه العمل في ورشةٍ صغيرة لتصليح الهواتف الجوّالة :

-وهل تمّ إصلاح الآيفون ؟

-إنه جاهز يا صديقي

-ممتاز ، وأجرة التصليح تتماشى مع سعر الجهاز كما تعرف ، فلا تتساهل مع الرزق الحلال وقد جاءنا على قدميه يسعى ، خذ أجرةً مضاعفة

وابتسم المساعد بخبث وكان يغوص في القطع الصغيرة لجهازٍ آخر ، وقال بدون أن يرفع ناظره:

-والله إن صاحبة هذا الجهاز تستأهل الإصلاح مجاناً

-لماذا ؟ وهل هي زوجة أو ابنة رجلٍ مهم ، بحيث تنال حظوةً بالتقرّب منها؟

وترك المساعد ما بيده ، ونظر بعينيّ صديقه ، وقال بهدوء:

-إنها زوجة أبي قيس الثانية ، جميلة ومثيرة ، ومُعاد تصنيعها تجميلياً كممثلات السينما ، صوتها وطريقة كلامها عندما تحدّثك ، حضورها وعطرها ، كلّها قنبلة من الإثارة ، أمّا سيّارتها ..

وقاطعَه الشاب أيمن صاحب الورشة :

-أبو قيس العضو القديم الجديد المتجدّد المتجذّر في مجلس الشعب ؟

-هو بعينه ، وهي زوجته الجديدة وبعمر بناته

وقال أيمن :

-أعطني الجهاز لأتفحّصه

-يمكنك أن تشمّه فقط لتتأكّد من صدق كلامي ، إنّ العطر الثقيل متعشّق في قِطَعه وغلافه بحيث أنك تتخيّل مواقع بصماتها التي احتضَنَتْه

-نعم ، نعم مفهوم ، إنّ الهاتف الجوّال هو توأم الجسد

-والله أنا أحسده هذا الآيفون اللعين ، لأنه شريكها وينام معها ويراها كلّما تبحّرت في شاشته

قال ذلك وعاد للغوص كالصائغ في أدواته الصغيرة وتحت عدسته المكبّرة أحياناً ، أما أيمن فقام بوصل الآيفون بحاسوبه عن طريق وصلة شريطية خاصة ، ولم يلاحظ المساعد الساخر مدى الاهتمام الذي بدا على معلّمه الذي نجح بالدخول إلى ملفّات الآيفون المُقفَلة وبدأ بنسخ بعض محتوياتها .

أكثر من ساعة مضت حتى قال أيمن باستخفاف وهو يعيد الآيفون للخزانة خلفه :

-إن جاءت صاحبته بغيابي قل لها إنه غير جاهز ويحتاج وقتاً لاستبدال إحدى القطع ، ودع الباقي عليّ

-لكنها ستأتي اليوم عصراً ، ووعدتها بأنها ستستلمه جاهزاً للعمل ، لا تجعلنا سنداناً لمطرقة زوجها أبي قيس ، إنه قادر على إغلاق ورشتك بكلمة أو بإشارة من بنانه ، وأنت تعرف !

وقال أيمن :

-أعطني رقمَها وأنا سأتصرّف ، ابقَ أنت خارج اللعبة

واستمرّت الأحداث بتتابع معروف ، بأنْ اتصل بها أيمن بشكل سرّي ، وهدّدها بمحتويات هاتفها الفاضحة من صور ومقاطع تسجيلية لعلاقاتٍ شاذة قد تودي بها إلى الطلاق أو القتل ، وقد تودي بمركز زوجها وسمعته إلى الدرك الأسفل في المدينة الفاضلة ، ذلك إن قام بنشر تلك المحتويات على الفضاء الرقمي الذي سيتلقّف أخباراً دسمة كهذه .

كانت الفدية المطلوبة لسكوته أرقاماً مالية ، ثم قِطعاً من مصاغها ، ووافقَت على مضض . ثم طلبَ خلوةً معها تكون كافية لإسكاته نهائياً ، وبالتالي حذف محفوظاته الثمينة التي يقامر بها .

كان يطلب بلهجة الآمر ، وكانت تستجيب صاغرةً لعلّ الأمر يبقى سرّياً ، لكن تماديه في طلبه الأخير جعلها تعيد حساباتها ، ووعدَتْه بأنها ستتدبّر الأمر قريباً وقريباً جداً .

لا يمكنها طرح القضية على زوجها أبي قيس ، لكنها أسرّت بمكنوناتها لصديقٍ قد يعنيه الأمر مثلما يعنيها ، فقال إن نشر هذه الملفّات هو جريمة إلكترونية ويمكنها اللجوء للشرطة ومقاضاة الفاعل ، ولكن هيهات !

ولم يطلْ الأمر بأيمن الذي كان ينتظر قضاء شهوته ، إذ استفاق القوم على حادثة احتراق تلك الورشة الصغيرة لصيانة الهواتف الجوالة ، وقالوا إنها حادثة ناجمة عن تماسٍ كهربائي ، وقام رجال الإطفاء بواجبهم ، ولكن للأسف كان صاحب الورشة المدعو أيمن فيها ، وتوفّي بفعل الحريق اختناقاً وربّما خنقاً ، مَن يدري !

ومن غير المعتقد لدى الرأي العام أنّ جريمة عادية تمّت درءاً لحدوث جريمة إلكترونية !

***********

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى