د. سيد شعبان - حذاء للذي قدس سره!

لا أدري ما الذي دهمني الليلة الماضية؛ طريق طويل غير أنه مسيج بهؤلاء الذين يسدون عين الشمس، لم أرتكب في حياتي مايشي بأنني من هؤلاء الغوغاء، أعترف بأنني لا امتلك حسابا مصرفيا، ليس لدي تطلع لأن أكون أحد الوجهاء، تفقدت حذائي فلم أجده؛ ترى هل سرق؟
حين أنام مبكرا تتراقص حولي الأحلام، كثيرا ما أتعجب من أنها بلا ظل، تأتي وتغادر مسرعة، مرة أجدني أركب قطار الفجر متوجها إلى جهة لا أعرفها، أقابل في المدينة المحرمة أصدقائي، نجوب الشوارع والأزقة، نجلس في مقاهي العتبة والحسين، ندلف إلى باب زويلة، كل هذا وأن بلاحذاء، ثمة سبب قد يفسر ما أجده؛ يقولون إن الأحذية ممنوعة في تلك المدينة، لايحق لغير الحاكم أن ينتعلها، تدور شائعات أنه يزينها بالياقوت والزمرد، هذا غير منطقي، فمولانا قدس سره وعظمت وجاهته لايضيع وقت المراسيم الملكية في مثل هذا العبث، إنه ويا لبراعته يحكم قبضته على باب الرمان الذي يؤدي إلى دهليز يفضي إلى قبو أسفل باب زويلة جهة صحراء المقطم، لم أصدق أن حذائي ذلك المصنوع من جلد عنزة وقد رضعت لبنا أشهى من العسل، تخيلوا إن العرافة المدينة أوصت عيون الحاكم قدس سره بأنه إن تفضل وانتعل ذلك الذي امتلكته ذات يوم، سيبلغ من العمر مائة ويزداد تسعا، لذلك حرم على كل الذين يدخلون من باب الحديد أن ينتعلوا تلك المحرمات بل عليهم أن يمشوا على رؤوسهم حفاظا عليها لاتمسها الأرض!
ومن يومها والذين هم في مدينة خم أو فيما جاورها من مدن تتراقص تحت ضوء القمر يفتون بحرمة تلك النعال مخافة أن ينتقص من عمر الذي سرق سره من ذوي السحنة الصفراء يجوبون المدن ويرقمون النعال.
ساد أمر عجيب أن العنزات البيضاء لاتذبح إلا بأمر الحاكم بسره؛ حتى تحمل جلودها في مواكب تحرسها الخيول؛ فسنوات عمر مولانا الذي وهب الحكمة لا يستهان بها؛ فهي مناط الفيضان وبركة السنابل الصفراء!
لذلك حين أفضي إلى النوم يجب علي أن أردد دعوات أوصتني بها أمي قبل أن ترحل إلى العالم الآخر، يبدو أن الناس هناك لن يحتاجوا لغير قلوب نقية، أما تلك التي وهبت للذي شاع سره فلن تجد أحد الذين تشتهي نفوسهم أن يبلغ بهم العمر ما يقارب منتصف عمر الذي طوي سره، لذلك علي أن أدع تلك الرغبة بعيدا حيث باب الرمان الذي تتراقص عنده القيان تلهج بمحامد الذي ذاع سره في الممالك المجاورة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى